الأحد 2017/12/10

آخر تحديث: 19:57 (بيروت)

معرض الكتاب... غابت دول الخليج وحضرت ايران

الأحد 2017/12/10
معرض الكتاب... غابت دول الخليج وحضرت ايران
وجه لبنان الثقافي يتغير وأن الخصومة في الثقافة ممكنة وقائمة
increase حجم الخط decrease
 
قال الرئيس فؤاد السنيورة، في افتتاحه لمعرض الكتاب، أن "وجه لبنان الثقافي لا يتغير، وإن تبدلت الظروف السياسية، فلبنان ليس لديه خصومة في الثقافة على الإطلاق". وهذا التصريح تزامن مع تداعيات محنة الرئيس سعد الحريري في العاصمة السعودية، التي ترتب عليها تباعد بين "الإدارة" السعودية و"الإرادة" اللبنانية. وربما الأجدر القول أن تلك المحنة كرست ضغينة مكتومة بين "تيار المستقبل" (سنّة لبنان) وجهاز الأمير الحاكم في السعودية.

وإذا كان معرض الكتاب يتبع تاريخياً لواحدة من مؤسسات "العروبة" (النادي الثقافي العربي)، التي ترفع لواءها باستمرار النخبة السنّية البيروتية، فهو عرفاً وتقليداً من حصة رئيس الحكومة، افتتاحاً ورعاية ووجاهة. وفي هذا السياق، كانت السعودية والكويت خصوصاً، كذلك الإمارات وسلطنة عُمان، تدعم المعرض بمساهمة سخية، تظهر من خلال إقامة كل واحدة من هذه الدول جناحها الواسع، الذي يشبه الديوانية أو المضافة أو الصالون الأدبي. كان هذا دوماً حضوراً رمزياً وسياسياً، تكرس خصوصاً في عهد الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

الذي حدث هذا العام في معرض الكتاب، وعلى عكس تمنيات الرئيس السنيورة وتصريحه، أن وجه لبنان الثقافي تغير، ولو على نحو موضعي وربما عابر. كما أن محاولته فصل الخصومة السياسية عن الثقافة بدت واهنة وفاشلة على كل حال، إذ أن أزمة الرياض – بيروت ترجمت نفسها بمقاطعة الدول الخليجية (عدا سلطنة عُمان) للمعرض.

مقابل المقاطعة الخليجية، اقتحمت إيران على الفور أرض المعرض، ورتبت جناحاً واسعاً أخذ المكان نفسه، بالمساحة ذاتها، للجناح السعودي. غابت صور العائلة الملكية وارتفعت صور الخميني وخامنئي.

وإذا كان توصيف السياسات العربية، والخليجية خصوصاً، هو "الانسحاب" و"المقاطعة" أو ارتجال "العداوة"، وطبعاً مع ارتكاب الأخطاء الكبرى، كما حدث في العراق واليمن وسوريا وفلسطين وقطر وليبيا.. ثم لبنان حالياً، فإن توصيف السياسة الإيرانية بالمقابل هو "التمدد" وملء الفراغ وأحياناً "الاحتلال".

هكذا، على نحو عياني ومصغّر، يمكن رؤية حال السياسات الإقليمية، وفوارق الأداء في الصراع العربي الإيراني، مجسداً داخل أروقة معرض الكتاب. تنسحب دول الخليج فتأتي إيران تلقائياً.

لم يتوقف الأمر على الجناح السعودي الذي بات جناحاً إيرانياً، فقد شهد المعرض أيضاً ازدياداً ملحوظاً للأجنحة التابعة لـ"حزب الله" بمؤسساته الثقافية المتعددة، أو بالمؤسسات الموالية له. وهذا التوسع في النشر والترويج يمكن ملاحظته بوجود أكثر من ستة أجنحة يطغى عليها طابع الحزب وثقافته، منها "المحجة" و"الولاء" و"الأمير" إضافة إلى "معهد المعارف الحكمية"..
في السياق ذاته، يمكن تفسير "الهجمة" السورية على الاشتراك في المعرض. فهذا العام، إضافة إلى دور النشر السورية التي تتواجد تقليدياً، كانت لافتة ظاهرة اشتراك عدة مكتبات دمشقية. وهي ظاهرة قد تكون نابعة من حاجة سوق الكتب السورية إلى منفذ قريب كبيروت، إلا أنها أيضاً تدعم، ولو بالمصادفة، طغيان دول "الممانعة" وحضورها المتمدد في المعرض.
ما يفاقم من معضلة المعرض السياسية والثقافية، هو أداء إدارة المعرض. فبعد أن أصيب المعرض باختلال فاضح في صفته "العربية"، يبدو أن تكاسل هذه الإدارة وتقاعسها وضيق أفقها وقلة حيلتها، أفقدته أيضاً طابعه الدولي كما هو مفترض في هويته. فعدا الحضور "الطارئ" لدولة أوكرانيا بمناسبة مرور 25 عاماً على إقامة العلاقات الديبلوماسية مع لبنان، ما من مشاركة للدول الأجنبية، اللهم عدا ذاك الجناح للمركز الثقافي التركي.

في المحصلة، وعلى عكس ما اشتهى الرئيس فؤاد السنيورة، من الواضح أن وجه لبنان الثقافي يتغير وأن الخصومة في الثقافة ممكنة وقائمة، بل وتخضع لتحولات السياسة ومناخاتها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها