الخميس 2017/11/30

آخر تحديث: 12:40 (بيروت)

العِباد اللبنانيون

الخميس 2017/11/30
العِباد اللبنانيون
increase حجم الخط decrease
كلّه في لبنان سواء: "أمُّنا مريم العذراء"، ورئيس الجمهورية ميشال عون "بيّ الكل"، ومعه صهر"نا" وزير الخارجية جبران باسيل، ونادر الحريري مدير مكتب رئيس الحكومة و"خيّ الكل".. كلنا أبناء عائلة واحدة، مقدّسة، منزّهة، مترفّعة. كبارها يُشعّون فوسفوراً في الظلام. وصغارها أطفال، والأطفال خطَأة إلى أن يكبروا، ولن يكبروا.

تضاف إلى قضيتي مارسيل غانم وزياد عيتاني، قضيتا مصطفى سبيتي وأحمد الأيوبي.. وقبل هؤلاء، الزملاء فداء عيتاني ومهند الحاج علي وديما صادق وأحمد اسماعيل، وآخرون كثر في لائحة مستمرة في الاستطالة بلا شك، لأن "حزب الله" وأمينه العام مقدّسان أيضاً، والخميني وخامنئي، وحتى المونسنيور منصور لبكي، مع "نبيّنا محمد" و"حُسيننا" و"إمامُنا العليّ" "ومسيحنا الفادي"... بل وأرشيف الحرب اللبنانية بمفقوديها ومخطوفيها وأمرائها الذي صاروا أرباب الدولة، وهُم آلهة الأرض التي تُوازي سكان العُلى وتُوازنهم.

جهاز "أمن الدولة" مولود قُدسيّ جديد. يتخذ خطواته الهرقلية الأولى، يثبت نفسه، وإن كان لا يزال يتلعثم: فمرّة زياد عيتاني يتجسس على وزراء، ومرّة على إعلاميين. مرّة للاغتيالات، ومرّة للتطبيع ونشر الفكر الصهيوني.. ثقافياً! تقاضى مالاً؟ عمل مجاناً؟ لم نفهم. لكن الولد، ابن أبينا، بصق كلمات "حواسيب"، "أجهزة خلوية"، "كمية من المخدرات"، وضرب الهواء بجناحيه أن صفّقوا. فلا يجوز لإكليل النجوم أن يبقى حكراً على "شعبة المعلومات" و"مخابرات الجيش". جهاز فخامته، أيضاً، يحقق إنجازات، ويكيد العُزّال في داخل الجهاز نفسه، وخارجه، وفي الموضوع الأحبّ على قلوب الجميع بلا استثناء: إسرائيل و"عملاؤها". الموضوع الأسهل والأجمل، قدس الأقداس.

يرتفع منسوب المقدّسات اللبنانية. "التحقير" و"التطاول" تُهم كالقتل والسرقة والفساد، وربما أخطر. فالكلمات الفضفاضة عظيمة الشأن، وللشأن العام أنبياؤه.

ليس هناك ما هو أدلّ على موت السياسة. السياسة بما هي تعبير وتفاوض دُنيوي. السياسة بما هي مظلة الفرد في يوم ماطر، باتت مقلوبة تحمي السماء منّا. تحمي النفايات منّا، وحُفر الطُّرق، وبواخر الكهرباء وحقول النفط وخزائن المال العام. فيضان زيت مغليّ، وتسرّب بخور خانق. النور يعمي، والمقامات قامات -عملاقة دوماً- جاثمة على الصدور والأطراف والألسنة. ما حصل في السعودية، يبقى في السعودية، رغم أنه كاد يحرق البلد. وما يحصل في تحقيقات "أمن الدولة" لا يبقى بين جدرانه، بل يخرج جائعاً فيَلتَهمُ الدستور والقانون.

ضمائر بديلة تُزرع في صدورنا كأعضاء مبرمجة على الطاعة، شأنها شأن الكِلى والأكباد والقلوب اللاهجة. فمَن يجادل في الإيمان؟ ومَن يفصله عن الولاء، والولاء عن القمع، والقمع عن السلطة؟ لا نقاش في المقدس، وبالتالي لا مكان للسياسة والرأي والقضاء والإعلام وحتى الفن. الرب جارنا وزعيمنا، رئيس بلديتنا، ووزير عدلنا. ربّ عملنا. ما عاد جلاله جليلاً. صار الفخامة والمعالي والسيّد والريّس والأستاذ... صار الوطن. ولله عِباد، لا مواطنين في ملكوته. نحن الذين أنزلناه، وهو يصغّر عقله ليرد على مخيلاتنا. يتقزّم لتتسع له أنوفنا وأفواهنا. يغسل عرشه بالماء الساخن، فينكمش، ويسهل تثبيته على رقابنا، ساقاه تتدليان على كتفَي كل منا. وهو الذي ضحك لمخلوقه الباسيلي إذ امتطى، مثله، حماراً، في عيد الفصح. وهو الذي قهقه إذ رأى مفاتيح جنّته توزّع كالخبز قبيل المعركة.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها