الأربعاء 2017/11/01

آخر تحديث: 11:54 (بيروت)

الفنان شفان برور.. قيادي الظل الكرديّ

الأربعاء 2017/11/01
الفنان شفان برور.. قيادي الظل الكرديّ
ليس هناك كرديّ لم يستمع إلى المغنّي شفان
increase حجم الخط decrease
شكّل المغنّي الكرديّ شفان برور، خلال أكثر من أربعة عقود من مسيرته في عالم الفنّ والغناء، مدرسة فنّية بذاتها، وأصبح رمزاً من رموز الكرد في العصر الحديث.  


لعلّه لا مبالغة في القول بأنّه ليس هناك كرديّ لم يستمع إلى المغنّي شفان ولم يتأثّر بأغنياته المنوّعة. وهو الذي  خاض غمار الأغنية السياسية التحريضيّة، كما أبدع في تأليف أغانٍ عن الحبّ والحبيبة في مختلف تجلّياتها، وحّد بين الحبيبة والوطن المأمول في أغنياته، وحرص على التجديد في موسيقاه وألحانه وأغنياته، وهو يعدّ بحقّ أحد أبرز روّاد الأغنية الكرديّة الحديثة.

اتّخذ شفان من اليسار منطلقاً إلى هويّته الكردية. ويحلو لعشّاق شفان إسباغ هالة من القداسة عليه، فهناك مَن رسم صورته وشماً على جسده كتأكيد على التفاني في محبته، كما تُنسب مقولات إلى شخصيات تاريخية تعظّمه، أو تمجّد دوره المبالغ في تقديره، منها مثلاً مقولة تُنسب للرئيس العراقيّ الراحل صدّام حسين مفادها: "كلّما اقتربنا من الاتّفاق مع الأكراد يأتي هذا المغني الملتحي (شفان) ويغنّي: "مَن نحن؟ KÎNE EM؟ فيخرب اتّفاقنا". و"من نحن" من أشهر أغانيه، من كلمات الشاعر الكرديّ جكر خوين (1903 - 1984)، وتؤكّد على التشبّث بالهوية الكرديّة من خلال التذكير بالتاريخ المعظّم.


وهناك مقولة أخرى تُنسب إلى المغنّي اليونانيّ الراحل ديميس روسوس (1946- 2015) مفادها: "لم يغلبني أحد سوى ذلك الصعلوك الكرديّ شفان". وهنا لا يفوت عشّاق شفان الإشارة إلى أنّ روسوس كان يقصد بوصف شفان بـ"الصعلوك" مدحه لا ذمّه، والإشارة إلى تشرّده في المنافي بعيداً عن وطنه. وكان السوريّ سميح شقير قد غنى له وعنه، أغنية خاصّة في الثمانينيّات بعنوان (لي صديق من كردستان اسمه شفان..)، وقد بادله شفان التحية في أغنية خاصة بالثورة السوريّة والربيع العربيّ، وغنّى للحرّيّة ولحمزة الخطيب، وغنّى أبياتاً من قصيدة أحمد شوقي: (سلام من صبا بردى أرقّ ودمع لا يكفكف يا دمشق..)، وأحيا مع سميح شقير حفلة في ألمانيا العام 2011 دعماً للثورة السورية.


ولد شفان العام 1955 في قرية سويركة التابعة لمدينة أورفة التركية، واضطرّ للخروج من تركيا في 1976 نتيجة ملاحقته بسبب أغنياته القومية الداعية لحقوق الكرد، بالعربية والتركية والإنكليزية والألمانية، إضافة إلى اللهجات الكردية المختلفة. كما اهتم بإحياء الفولكلور الكردي، بتجديد أغنيات تراثيّة، وتأليف موسيقى خاصّة لها، وإطلاقها في حلّة معاصرة.

غنّى شفان لأهمّ الشعراء الكُرد، وفي مقدّمتهم الشاعر الراحل جكر خوين الذي يوصف بأمير الشعراء الكُرد، إضافة إلى عدد من الشعراء المعاصرين من أمثال الراحلين أوصمان صبري (1905 - 1993)، سيداي تيريج (1923 - 2002). كما كتب الكثير من أغانيه بنفسه، ولحنها، وكان حاضراً في منعطفات التاريخ الكردي الحديث بأغنياته الثوريّة، ورسائله المطلقة عبرها.

وقد شكّل مع زوجته السابقة الفنّانة كلستان ثنائياً فنّياً مميّزاً، وما زال تأثير أغانيهما حاضراً في الذاكرة الكردية الحديثة، وما زالت أغنياتهما تكرّر هنا وهناك وتحظى بكثير من المحبّة والتقدير.

وقد اختلف الخطّ السياسيّ بينه وبين كلستان التي اختارت الوقوف إلى جانب "حزب العمال الكردستاني"، في حين اختار شفان الابتعاد عن توجّه الحزب المذكور، وكان أقرب إلى الزعيم مسعود برزاني، رغم أنّه يحرص دائماً على دعم القضية الكردية بالمطلق بعيداً من الغناء للزعماء.

يتجاوز دور شفان برور، الفنّ والغناء، ولا يمكن حصره في زاوية بعينها. ذلك أنّ الفنّ بالنسبة إليه وسيلة من وسائل النضال، بأغنيته الثائرة، والمهدهدة، والراثية، والداعية إلى المقاومة والصمود، والباحثة عن الأمل برغم قتامة الواقع الكرديّ.

يدعو شفان إلى التسلّح بالعلم والمعرفة، والانفتاح على الآخر، والتواصل مع الآخر، وإيصال القضية الكردية إلى العالم بأصوات أبنائه، وإبراز أسباب بقاء الكرد سجناء في الدول التي اقتسمتهم وأرضيهم. كما يقف ضد الديكتاتورية، ويدعو الزعماء الأكراد إلى توحيد الصفّ وتفضيل مصالح الشعب الكرديّ على مصالحهم الخاصّة، وتجاوز مرحلة العشائريّة والتحزّب والعمل لبناء الحلم الكرديّ المتمثّل في كردستان المأمولة. لكنّ هذه الدعوات غالباً ما تظلّ في إطار محدود، ولا تجد آذاناً صاغية لدى مَن تخاطبهم.

أما خطابه الموجه للأكراد أنفسهم، فيلقى استجابة أكبر، إذ يرتقي إلى دور "قياديّ" في التغيير الاجتماعيّ والفنّيّ. يحمل "طنبوره"، يشحذ حمم الثوّار في ثوراتهم المجهضة، يبقي جذوة الأمل متّقدة، يواسيهم ويثير لديهم الأسئلة عن واقعهم وتاريخهم ومستقبلهم.

عقب مجزرة حلبجة المأسوية في العام 1988، نشر شفان أغنيته الشهيرة "حلبجة" التي صوّرت جانباً من الجرح الغائر في الحاضر والتاريخ الكرديّين، وكان يغني كمن يصرخ ويستغيث، ويحرّض على المقاومة والصمود والاستمرار، مع الإشارة إلى الخذلان والإجرام والإبادة التي تعرّض لها الكرد.


كان حاضراً في روما أثناء توجّه الزعيم الكردي عبدالله أوجلان إليها، في العام 1999، قبل خروجه منها إلى كينيا واعتقاله. وغنّى حينها أغنية درويشي عفدي، التي كان أوجلان قد طلبها ويحبها، وهي أغنية ملحمية تختصر جانباً من الصراع الكرديّ من أجل البقاء، وتحفل بمناجاة الزمن الخؤون.

كما رافق الزعيم مسعود برزاني في زيارته الشهيرة إلى تركيا في العام 2013،  ووقف إلى جانبه، وجانب الرئيس التركيّ رجب طيّب أردوغان الذي كان رئيس وزراء حينها، وكان معهم المطرب التركيّ الكردي الشهير إبراهيم تاتليسيس. وقد وصفت تلك الزيارة ببداية مرحلة جديدة في التاريخ الكرديّ التركيّ الحديث، لا سيّما أنّ شفان كان قد عاد إلى وطنه بعد سنوات منفى واغتراب. لكنّ تلك المرحلة ما لبثت أن دخلت نفقاً جديداً من الاستعداء بعد المستجدّأت في إقليم كردستان العراق قبيل الاستفتاء على الاستقلال في 25 سبتمبر 2017، وبعده.

غنّى شفان للبشمركة الكُرد، وساندهم في معاركهم. كما أيّد الاستفتاء في كردستان العراق، وخرج في احتجاجات مندّدة "بالتخلّي الأميركيّ والغربيّ عن كردستان". وغنّى في ألمانيا، ودعا إلى التحرّك وإسماع الصوت الكرديّ الرافض للقضاء على أحلام الكرد في الاستقلال.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها