الأحد 2017/10/08

آخر تحديث: 11:06 (بيروت)

نزار يحيى... ومحاولاته الأرشيفية

الأحد 2017/10/08
نزار يحيى... ومحاولاته الأرشيفية
الأرشف العلمي والفني يحضر بقوة في أعمال الفنان
increase حجم الخط decrease
يشعر الزائر أمام أعمال الفنان العراقي نزار يحيى أنه أمام مدونات تاريخية، عمد الفنان إلى فلسفتها وإضفاء بعد أرشيفيّ عليها، يذكر بقول جاك دريدا: "...هذا الأرشيف المموه أو المضعضع، المتحول، المغيب، ومعالجته هي في الوقت ذاته معقدة، وتتطلب الدقة خلال الحروب الأهلية أو العالمية، كما تحتاج إلى مناورات خاصة وسرية، لا يمكن التخلي بتاتا"...

بهذا، لو رغبنا في قراءة أعمال نزار يحيى مستلهمين هذا القول لدريدا، لوجدنا ان الأرشيف العلمي والفني يحضر بقوة في أعمال الفنان، من البيروني إلى استلهام بعض أعمال ليوناردو دافنشي بالتحديد الرجل الفيتروفي إلى التاريخ الحديث نسبيا عبر استحضار ثيمة محمد علي كلاي. كلها أعمال تشي بالأرشيفية، وكلها تغتني بميلودية جسدية غنائية، هي طبقات مع المعاني، يستقيم فيها البعد الناسوتي مع الروح العلمية التي اغتنت أولا في الشرق، وانتقلت بعده لتجد لها موئلا في الغرب.
تسليط الضوء على البعد الأرشيفي، بحالاته التهويمية، غير المرتكزة على أسس متينة من خلال تسليط الضوء على التجربة الإنسانية بعمومها ومحاولة اختصارها بشذرات تجارب أعاد الفنان قولبتها وإعادة إحيائها وفقا لرغباته وشعوره وأحاسيسه تواكب حالة فنية عالمية تقوم على إعادة إحياء روح الفلسفة والعلوم من خلال الفن، في مركز بعيد نسبيا عن ثنائية الجمال والقبح، بل في مكان يتعزز فيه البعد الأرشيفي على ما ذكرنا آنفا، ولا يعني ذلك أن المساحة عن الجمال والقبح بمعناهما الفلسفي في قطيعة مع أعمال يحيى بل هما في حالة التوأمة المتوازية والمصاحبة للأعمال على طول الخط، في تجاور تنبثق عنه حالات من الإرتباك، والهزة والدهشة، وهذا قد يتبلور بكل ما هو مطلوب أمام العمل الفني عند ضربه للوعي بأدوات لاواعية، ومباشرته للمعقول بأساليب جديدة وحداثية في آن.

يحتل الجسد حيزا لا بأس به من أعمال الفنان يحيى، وكأنه في أرشيفيته يؤرخ للجسد بمعناه الجمالي، يتصاحب هذا مع التركيز من خلال حركات الجسد على أبعاد عديدة نرصد منها – مع وجود أبعاد أخرى – عنوان القلق والضعضعة، فالحركات التي جعلت أجساد يحيى أقرب إلى قوالب هندسية تتثور في خانة من ممارسة القيامة على الوعي من خلال العمل الفني، ومحاولة بلورته بإطار من التردد والرفض والإستهجان لحالات تشظي الإنسان المعاصر بين الحاجات المادية والتكنولوجية، كما أنه من خلال عودته للأرشيف الانساني يسعى بما قد نستشف إعتماده على نوع من القطيعة مع الإنسان المعاصر القلق، والتلويح بأمجاد ماض علمي كان فيه للانسان الأولوية.
تغتني أعمال الفنان يحيى بالرسائل العديدة، في بلورة واضحة لما ينعكس في ذاته من مخزون ثقافي وقلق، في محاولة لعرض رؤيته لهذا الارشيف وهي رؤية يتلاقى فيها بعد الافتخار بالتاريخ ويتساوق مع النقد له، ففي صياغة الأعمال الفنية التي يحتل فيها الصمت بعدا معينا في الخلفيات، مع التركيز على الشخوص، وكأن الفنان يقول لا أحب الثرثرة، بل أدخل الى عمق القصد مباشرة، محاولة لهز المعتاد والضروري والبديهي، وكأن هناك عالما آخر لم يكتشفه سوى الفنان ويسعى لتأريخه أو أرشفته من خلال مسيرته في معارض متعددة كان آخرها في غاليري مارك هاشم – بيروت ...
 لكن قد يطرأ سؤال آخر: هل من حاجة بالضرورة في تأريخ الدمار الانساني الارشيفي من رسالة من وراء العمل الفني؟ قد تختلف الرؤى حول هذه النقطة، ولكل فنان لغته فيها مواكبا أو معارضا، غير أن نزار يحيى اختار الثبات على إضفاء رسالة مباشرة من وراء أعماله يسعى فيها بمحاولة حثيثة لإيضاح معنى الإنسان المعاصر المأزوم في الحاضر من خلال اللون والريشة.
(*) يستمر المعرض حتى 14 تشرين الأول في غاليري مارك هاشم – بيروت 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها