عن "نفَس عميق"، وعملها، هنا مقابلة لـ"المدن" مع يارا بونصار.
* لماذا القلق؟
- لقد خطر في بالي موضوع القلق اليومي منذ وقت، ورحت ألاحظ كيف أن الأشياء البسيطة، التي نصادفها في عيشنا، تترك آثارها فينا. و"نحن" هنا، تعني كل نمط من أنماط حياتنا، أكان جسمانياً أو مسكلياً، وغيرهما طبعاً. انتبهت إلى أن الكرب (stress) يخلق فيّ عادات مستهجنة، صغيرة، لكنها مفاجئة الظهور، كأن أستغرق أو "أتوَسوَس" في أمور بعينها دون أخرى. وهكذا، شرعت في العمل على الموضوع، ولما أخبرت أنّالينا عنه، وجدت أنها، وبدورها، تتعرض لآثار القلق ذاتها، والكرب، وانتقلنا معاً إلى تطوير أفكارنا حوله من لقاء إلى آخر.
* ماذا عن تجربة التعاون مع أنّالينا؟
- أحببتُ العمل معها، لا سيما أن طريقة تفننها مختلفة عن طريقتي، فهي تهتم بالكوريغرافيا في حين أني فنانة مسرحية، مع أني أولي اهتماماً لحركتي الجسدية أيضاً، لكن ليس على منوالها الرقصي. عملنا معاً مدة عام، منذ صيف العام 2016، وقد بدا لنا هذا بمثابة تحدٍ، إذ إن كل واحدة منا كانت تعيد النظر في أشكال تعبيرها، إلى أن صنعنا أشكالاً جامعة. أعرف أن العمل مع أناس قريبين منا هو فعل جيد لأنه مريح. لكن، مع أناس نلتقي بهم مصادفةً، ونتعرف عليهم بالتدريج، هو فعل جيد لأنه بنّاء.

* بالإضافة إلى القلق والكرب، هناك العنف في عرضكما..
- هما موضوعان في موضوع واحد، لأنهما على إتصال تام. كما أننا، وعندما بدأنا بتناولهما، لم نحصر ذلك في مواقفنا الذاتية، بل تقصينا مواقف غيرنا، قابلنا معالجين، وقابلنا أناساً من وجهات عديدة، تحدثنا معهم، حاولنا أن ننظر إلى موضوعنا على أساس مقاربة جسمانية، وذلك بوصفه ظاهرة تنم عن العنف بمعناه الواسع والمتفرق، بدءاً من الضجيج، وصولاً إلى التعدي على مرئيتك في الشارع، مثلما تنتج آثارها في أجسادنا، وترهقها. هذا من سمات عيشنا البيروتي، لأن الإنتقال إلى مكان ثانِ، يخفف منها.
* كيف؟
- في هذه المدينة، نحن في تشنج مستمر، تشنج التجهز لأي حادثة من هنا أو من هناك، تشنج المواجهة مع كل ما يضايق ويزعج، مع هذا الكل الذي يحيط بنا. هذا التشنج ينخفض عند مغادرة بيروت، ينتقل إلى مستوى آخر، يبدأ في صعيد آخر.
* في عروضك السابقة، هناك بيروت وقصص العيش فيها، هل تبدل هذا في "نفَس عميق"؟
- هذه المرة، تخففت من التطرق إلى بيروت، وبصراحة أنا مسرورة بذلك. ربما لأن العرض الحالي لا يدور حول شخصيات ورواياتها، بل حول أوضاع محددة، فيها شخصيات طبعاً، لكنها ليست محورية بملامحها الذاتية والسردية. بعد "بيت بلدي"، ما عدت في حاجة إلى الكلام المباشر عن بيروت. كانت ثمة حاجة وانتهت، والآن العودة إليها تبعث على الملل. وهذا كله لا ينفي أن في عرضنا، هناك أشياء من المدينة، لكنها ليست أساسية ولا بائنة.
* بالإضافة إلى تمثيلك المسرحي، تعملين في التمثيل السينمائي، أو الفيلمي على العموم، ومؤخراً، شاركتِ في "اسمعي" لفيليب عرقتنجي. أي نوع من التمثيل أصعب؟
- صعوبة التمثيل المسرحي متعلقة بالإنضباط على المسرح لمرة أولى وأخيرة أمام الجمهور، وقبله، بكيفية الإنتقال من موقف إلى آخر، كيفية تطور الشخصية لحظةً بلحظة. أما صعوبة التمثيل السينمائي، فمرتبطة بالإستعداد للتكرار وللذهاب من مشهد إلى ثان من دون أي مسار كرونولوجي. لكن النوعين يتطلبان الكثير من الجهد، أمام المشاهدين أو أمام الكاميرا. في الحالتين، لا بدّ من توازن بين ما تشعر به فعلياً وما تجسده. وأحياناً، هذا التوازن يفرض نفسه بطريقة مضحكة. أتذكر أني، في نيسان الماضي، مثّلتُ في فيلم قصير، وكان الدور يقتضي مني أن أبكي. في تلك الفترة، لم أكن بخير، وكنت أبذل ما في وسعي كي لا أنكسر. ذهبتُ إلى التصوير صباحاً، وبدأت التمثيل، فبكيت وبكيت، ولم أعد أعرف إن كنت أمثّل أم لا.

التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها