الإثنين 2017/10/02

آخر تحديث: 13:01 (بيروت)

الأيسلندي جون جنار: أنا غريب الأطوار..إذن أنا سياسي

الإثنين 2017/10/02
الأيسلندي جون جنار: أنا غريب الأطوار..إذن أنا سياسي
الممثل الكوميدي الذي وعد ناخبيه بمناشف مجانية في المسابح العمومية.. ونفّذ وعده
increase حجم الخط decrease
"لماذا أسبب المشاكل لنفسي دائمًا؟".. كانت هذه هي أول جملة ينطق بها الممثل الكوميدي الأيسلندي جون جنار (1967)، بعدما فاز فى الانتخابات ليصبح عمدة مدينة ريكافيك، عاصمة أيسلندا.

كانت الدهشة من الفوز، تغلب على جون جنار، الذي أسس حزبًا سياسيًا "الحزب الأفضل" من أجل هدف واحد: السخرية من السياسيين الأيسلنديين الذين تسببوا في الأزمة الاقتصادية الشهيرة. وقد عبّر عن ذلك في برنامجه التلفزيوني قائلًا: "الحزب الأفضل ليس حزبًا سياسيًا، بل مجموعة ديموقراطية مستقلة قائمة بذاتها، تقوم على أساس من المصداقية والأمانة والتعاطف، والتواصل المسالم مع الآخر، والمرح".

إذن، لم يكن جنار يريد إلا المرح والسخرية. وعندما ترشح لينافس على منصب العمدة في العاصمة الأيسلندية، لم يكن هدفه إلا المزاح. لكن حدث ما أرعبه وأرعب النظام الأيسلندي، إذ أصبح هذا الكوميديان في العام 2010 عمدة لعاصمة البلاد.

في مقابلته مع جريدة "الغارديان" قال جنار: "هناك طرق عديدة تستطيع من خلالها أن تصبح مشهورًا في أيسلندا، معظم هذه الطرق يتطلب شخصية أيسلندية غريبة الأطوار، وهذا أنا".

جون جنار، غريب الأطوار. أثناء تجواله خلال حملته الانتخابية، قابل عمدة المدينة. لم يعرفه. مضى في طريقه كأن شيئًا لم يكن. سألوه: هل تمزح؟ فبدت علامات الاستغراب على وجهه موضحًا أن تصرفه كان طبيعيًا، لأنه لا يعرف هذا الذي مرّ به: "بينما أسير، قابلتُ رجلًا. ماذا تريدونني أن أفعل؟".

كتب جنار سيرته الذاتية، ونشرها تحت عنوان "الهندي الأحمر الأيسلندي.. سيرة مجنون"، وقد ترجمت إلى العربية(*). منذ ولادته، التي كانت مفاجأة غير متوقعة أصابت والديه بالإحباط، سارت حياته على نحو غريب في كل شيء. يقول جنار: "كان مجيئي إلى الدنيا صدمة حقيقية لعائلتي، كانت والدتي في الخامسة والأربعين عندما رُزقت بي، أما أبي فكان في الخمسين من عمره. كانا يدركان أنهما أكبر سنًا من أن ينجبا طفلًا، أمر كهذا لم يكن مألوفًا في تلك الأيام. شعرت أمي بالخجل".

كان كل شيء فيه يثبت أنه طفل غريب، ليس كغيره من الأطفال في مثل سنه. أخبر الطبيب أمه بذلك: "أخبرها الأطباء باحتمال إصابتي بتخلفٍ عقلي نظرًا لتقدمها في العمر. نصحوها بإجراء فحص للسائل المحيط بالجنين للتحقق من مشاكل وراثية. كانت عملية في غاية الخطورة، ومن المحتمل أن تسفر عن إجهاض فلم ترغب أمي في ذلك. لم تكن تثق في الأطباء".

كان الطفل جنار عنيفًا لأقصى درجة، ونصح المدرسون أمه بأن تعلمه قراءة المجلات لكي يصبح أكثر رقة. اختارت له مجلة "ميكي"، التي تتمتع بقبول واسع عند الأطفال، غير أن جنار يعترف: "أجد ميكي ماوس مزعجاً جدًا ولا أفهم هؤلاء الذين يرونه مضحكًا. لا أقرأ الصفحات الخاصة به، فهو لا يسكن حتى في مدينة البط، ويتدخل في أمور لا تخصه"! وفي سن الثالثة، أُدخل جنار عنبر الأمراض النفسية بالمستشفى الوطني في أيسلندا: "لكن النساء العاملات هناك يئسن تمامًا، كان يفعل كل شيء بجنون". 

ثمة تقارير صحية كثيرة تضمّنها الكتاب، كلها تشير إلى خطب نفسي ما في جنار، وكان نزيلًا شبه دائم في عنبر الأمراض النفسية الذي خرجت تقاريره دائمًا لتصب في غير مصلحة هذا الطفل "الغريب".

بمرور الوقت، دخل جون في عزلة إجبارية فرضتها ظروفه الصحية وطريقة تعامله مع الآخرين، إذ كان حادًا وغريبًا. كان يميل مثلًا إلى الثيران، فيشتري الألعاب على شكل ثيران ويضع حولها حيوانات مختلفة ثم يمسك بالثور ليضرب بقية الحيوانات، ويضحك بغرابة، مخرجاً لسانه كمنتصر أبله.

في سن الثالثة والأربعين، فكر جنار في تأسيس حزب سياسي، فقط للسخرية من سياسيي أيسلندا. اختار له رمزًا غريبًا: "اخترنا أقبح رمز يمكن أن يمثل الحزب، ألوانه كريهة غير متناسقة، وعلى غير المتوقع استمرت شعبيته في الارتفاع".

كانت وعود جنار للمواطنين تليق به كرجل غريب الأطوار، وعدهم مثلًا بأن يوزع المناشف في حمامات السباحة مجاناً، وعندما فاز شرع في تنفيذ وعوده بالفعل. وكان أكثر ما ضايق أهل المدينة منه هو أنهم ظنوا أن بإمكانه تحويل المدينة إلى مكان أكثر مرحًا، غير أن المرح الذي قدمه لهم لم يكن على قدر طموحاتهم.

استمر جنار أربع سنوات عمدةً لمدينة ريكيافيك، وسجل الكثيرون إعجابهم بتجربته، ومنهم من ألّف عنه كتابًا "The World's Coolest Mayor": "بدا رجلًا عاديًا، لم تغيره السياسة ولا منصبه كعمدة، وتعامل بشكل بسيط للغاية، كان يضحك إذا رأى الأمر مثيرًا للضحك، ويفتح فمه دهشةً إذا وجد ما يستحق ذلك".

ربما يكون جون جنار هو الرجل المناسب للسياسة التي لم تعد تعترف بتفكير منطقي، ولا تخضع لحسابات العقلانية الممأسة. ربما كانت بساطته ووعوده التي أدخلت السرور إلى قلوب مواطنيه هي سر نجاحه. هذا النجاح الذي جاء مفاجأة له شخصيًا، وللحكومة الأيسلندية بأسرها، ومع ذلك تعاملت مع واقع جديد فرضه جنار الذي لم يكن يعرف عمدة ريكيافيك عندما ترشح لينافسه، ووعد بمناشف مجانية لرواد المسابح العمومية، واختاره مواطنون لا يطالبونه بشيء قدر ما يطالبونه بالمرح.


(*) جون جنار، ممثل أيسلندي كوميدي، وسياسي. كان عمدة مدينة ريكيافيك، عاصمة أيسلندا، من العام 2010 وحتى 2014. "الهندي الأحمر الأيسلندي.. سيرة مجنون" هو كتاب مذكراته التي صدرت بالعربية عن "دار العربي للنشر والتوزيع" بالقاهرة، بترجمة ياسمين مصطفى.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها