السبت 2016/08/20

آخر تحديث: 13:35 (بيروت)

سيد القمني أمام النيابة..المثقفون قربان النظام المصري إلى حلفائه

السبت 2016/08/20
سيد القمني أمام النيابة..المثقفون قربان النظام المصري إلى حلفائه
سيواجه المفكر سيد القمني مصيره وحيدًا
increase حجم الخط decrease
سيواجه المفكر سيد القمني مصيره وحيدًا، وهو يظن أن هناك من سيدافع عنه، وربما تكون تلك مأساة أكبر من مأساة إحالته لنيابة أمن الدولة بتهمة ازدراء الأديان والإساءة للمقدسات الإسلامية.

فحين قرر المستشار نبيل صادق، النائب العام المصري، يوم الخميس الماضي، إحالة البلاغ المقدم من المحامي الإسلامي خالد المصري، ضد القمني، لنيابة أمن الدولة العليا، للتحقيق معه كمتهم بازدراء الدين الإسلامي وذلك خلال ندوة نظمتها جهة بلجيكية، لم يبدُ صاحب "أهل الدين والديمقراطية" قلقًا بقدر ما بدا متحديًا، فقد قبل في بيان نشره عبر صفحته على الفيس بوك بعد "الإحالة" ما وصفه بـ"المعركة" داعيًا زملاءه وتلاميذه للتصدي لها.

وكتب القمني بيانه بطريقة من يظن انها مناظرة علمية، فهو يطالب بعلانية المحاكمة، ومناشدته لزملائه وتلامذته جاءت في السياق ذاته: "إلى زملائي وزميلاتي وأبنائي وبناتي، رفع الدعوى ضدي في نيابة أمن الدولة يستدعيكم كل منكم في موقعه وكل واستطاعته وممكناته، إذا بدأت فعلا فستكون حامية الوطيس وسيخسرون الكثير بشرط علنية المحاكمات، وغير ذلك ستكون مكيدة لن أقبلها، كل شيء في العلن، مغطى بشكل إعلامي متوازن، ولو حدث هذا فلا شيء جديد عندهم يقولونه، أنا من لديه الجديد بالحجج والبراهين وليس عندي أي بطحة على رأسي استتر منها، ولدي أيضا أنتم أينما كنتم فهي معركتكم جميعاً ومعركة وطن يضيع من بين أيدينا"، يبدو القمني كأنه خارج "الواقع"، فهل يمكن لقضاء سبق وأن وصف أعماله البحثية بـ"الهرطقات" أن ينظر لكلامه/ مناظرته/ دفاعه في الاعتبار؟

المثقفون.. قوة ضغط أم دمية
هل بدا القضاء المصري الحالي عبر قطاعه العريض تنويريًا أو علمانيًا أو محايدًا في ما يتعلق بالدين الرسمي للدولة؟ على العكس تبدو "مسألة القمني" نفسها خير دليل على محافظة تلك المنظومة، حيث واجه المفكر المصري المحكمة من قبل حين قررت تجريده من جائزة الدولة التقديرية التي نالها في العام 2009، وقالت هيئة مفوضي الدولة في حيثياتها "إنه إذا كان من حق القمني أن يكتب ما يشاء وأن يبلغ في اجتهاداته إلى أي درجة، إلا أنه لا يجوز للدولة أن تعطيه جائزتها العليا، خاصة أن الهيئة اطلعت على كامل مؤلفاته، وتقرير مجمع البحوث الإسلامية، وثبت من خلال العبارات الصريحة التي كتبها أن فكرة النبوة بالنسبة له هي فكرة مخترعة من البشر، وأن النبي محمد (ص) ما هو إلا رجل، بحث ليكون زعيماً على العرب، وأنه أخذ أفكاره من جده عبدالمطلب (...) وليس من شأن هذه الهرطقات أن تكون إضافة للعلوم الاجتماعية التي هي جزء ومكون أساسي يبنى عليه منح الجائزة التقديرية".

ربما يجدر بنا –وفق تلك المعطيات- قراءة دعوة القمني المثقفين لمساندته في سياق آخر غير التناظر العلمي، فلربما يستقوي بهم –مثلا- للضغط على النظام، وهو ما يؤدي بنا إلى سؤال أهم، هل يولي النظام المصري للمثقفين أهمية حقيقية؟

عندما صدر الحكم بحبس أحمد ناجي عامين بتهمة خدش الحياء العام، كتبتُ في "المدن" أنه لا سبيل لخروجه من السجن غير تكاتف المثقفين وضغطهم على الدولة لإلغاء ذلك الحكم، لأنه لا سبيل مطلقًا في الدولة الحالية – أو في سابقيها- للاحتكام للقانون، ظنًا مني بأننا لازلنا نسير على خطى الدولة المباركية التي كانت توازن كثيرًا فيما يخص المثقفين ومعاركهم مع الراديكالية الدينية، لكن شيئًا لم يحدث ولايزال ناجي وإسلام البحيري قابعين في السجن حتى الآن، أما فاطمة ناعوت في منفى إرادي خارج الدولة حتى لا تواجه مصيرهم ذاته.

تكمن الإشكالية في ما يظنه بعض المثقفين بأنهم كيان له قيمة لدى النظام المصري، خاصة بعد مجابهة نظام الإخوان واعتصامهم داخل وزارة الثقافة في العام 2013، والذي اعتبروه أنفسهم تمهيدا للتخلص من الحكم الراديكالي للجماعة، الأمر الذي جعلهم يصدقون الدولة في دعوتها لتجديد الخطاب الديني معتبرين الأمر خطوة حقيقية نحو دولة مدنية، غير أن ما جرى مع ناجي والبحيري وناعوت جاء مناقضًا لما دعا إليه النظام.

إن واقعة سحب جائزة الدولة التقديرية من القمني تسهل كثيرًا قراءة وضع المثقفين بالنسبة الى لنظام المصري على اختلافه، حيث امتدت القضية بين نظامي حكم، فبدأت في دولة مبارك واستمرت حتى دولة المجلس العسكري، فهذه القضية التي لا حبس فيها استمرت عامين فيما سُجن إسلام البحيري خلال بضعة أسابيع.

أما محرك الدعوى القضائية نفسه فكان المحامي ثروت الخرباوي، نيابة عن الداعية السلفي يوسف البدري، وظهر الخرباوي -الذي انفصل عن الإخوان عام 2002- بعد ثورة يناير كواحد من أبرز الوجوه المناهضة لسياسة الجماعة، وحاز كتابه "سر المعبد" -الذي يتبرأ فيه من منهج الإخوان المسلمون- جائزة أفضل كتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2013، حينها اعُتبرت الجائزة شجاعة من هيئة الكتاب المصرية المانحة للجائزة، لمنحها إياه في ظل حكم النظام الإخواني، رغم أنه كان منذ 4 سنوات فقط يقاضي وزارة الثقافة لإهدارها المال العام بمنحها جائزة لسيد القمني.

يظل الثابت خلال تلك السنوات المتعاقبة هو الاتجاه المحافظ الذي اتسم به القضاء المصري، لكنه لا يعتبر الثابت الوحيد، فهناك ثابت آخر وهو أن الدولة المصرية العميقة استخدمت هؤلاء كلهم حين احتاجت إليهم، ولكنها اعتبرتهم مجرد وسائل لا تدين للفضل لأي منها.

لكن ما سبق لا يعني أن القضاء المحافظ هو الداعم لحبس أصحاب الرأي المغاير، ولا يفسر في الوقت نفسه موقف الدولة الحالي تجاه المثقفين والسماح بسجن أصحاب الرأي؟ فهل باتوا أعداءً لها؟ يبدو ذلك السؤال غير ذات معنى لأن الدولة لا تأبه لهم بالأساس وبالتالي لا تخاف منهم بحيث تعتبرهم أعداء وجبت الإطاحة بهم، على العكس يعتبر كل من البحيري وناعوت والقمني من داعمي نظام السيسي، ولكنهم على الصعيد الآخر يمثلون قيمًا لا تعجب الحلفاء الجدد للدولة المصرية(السعودية)، فهل ما يفعله النظام المصري القائم هو انه يقدمهم كقرابين لاسترضاء الحلفاء الجدد؟

لم يعد السؤال حاليًا، ماذا سيفعل المثقفون المصريون تجاه القمني أو من سبقه إلى السجن؟ والسؤال الأكثر واقعية من سيأتي عليه الدور من بعده؟
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها