السبت 2016/07/30

آخر تحديث: 11:27 (بيروت)

تفجير ضريح السودي في تعز..وستة قرون من الشعر والتصوف

تفجير ضريح السودي في تعز..وستة قرون من الشعر والتصوف
عبد الهادي السودي "برع في علم الحديث والقراءات والنحو والبديع والبيان وعلم الفرائض وعلم التصوف"
increase حجم الخط decrease
أحدث تفجير ضريح وقبة، جامع الشاعر، وشيخ الصوفية الشهير في اليمن، عبد الهادي السودي، في مدينة تعز، موجة سخط واستنكار كبيرين لدى قطاع واسع من اليمنيين. فالفعل الصادم، قامت به جماعة سلفية محسوبة على المقاومة في المدينة التي لطالما وصفت في الخطاب الرسمي والشعبي، بإعتبارها العاصمة الثقافية لليمن.

وبحسب المعطيات، أصيب أكثر من 20 مدنياً جراء قيام متطرفين بتفجير قبة السودي بالديناميت. وفي تعليقه لـ"المدن"، قال فيصل سعيد فارع، مدير عام مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة وهي أكبر المؤسسات الثقافية اليمنية ومقرها تعز، وكانت هي أيضاً قد تضررت من الحرب إذ أحرقت أجزاء واسعة منها: "تشكل واقعة تفجير قبة الشيخ عبدالهادي السودي، جزءاً من سلسلة ممتدة من الاعتداءات التي تطاول رموز المدينة التاريخية وإرثها الثقافي والرمزي من قبل الجماعات المتصارعة، وخصوصاً المتطرفة منها. كما أن هذه الجريمة ستلطخ ملامح القائمين عليها كطرف عدو لكل قيم تعز وإرثها".

على أن الشاعر والكاتب علي المعبقي يرى أن "تدمير الأضرحة هو تدمير الذات الإسلامية لنفسها... الذات المهزومة والمبغوضة في اللاوعي الجمعي الإسلامي... تدمير الأصنام كان تدميراً للماضي من أجل بناء أمة جديدة"!

يعود عُمْر الضريح إلى 600 عام، وتعتبر قبة الجامع من أكبر القباب في اليمن، وإحدى أجمل المعالم الدينية في تعز القديمة، وتزخر بالنقوش والزخارف. وكانت عناصر متطرفة قامت في أيلول/سبتمبر 2015 بالعبث والتخريب في الضريح وتهديم أجزاء منه، كما قامت بسرقة الأخشاب والمنحوتات والزخارف الأثرية فيه.

توفي السودي- كما يؤكد الذين انكبوا على دراسة تاريخه وأثره الأدبي والصوفي- بعد دخول الأتراك إلى اليمن، ودُفن في المنطقة التي أقيم فيها الجامع وتسمى "أكمة النهد". ولطالما شهد ذلك المكان، جمعاً صوفياً سنوياً في شهر ربيع الأول، قبل أن تضمحل العادة خلال العقدين الأخيرين.

ويتميز السودي بشهرته الواسعة في اليمن. وهو ظهر في بداية ظهور الدولة الطاهرية التي قامت في الفترة من 855 - 923 هـ/ 1451- 1517م، حيث أسس تلك الدولة اليمنية عامر بن طاهر في مناطق نفوذ الدولة الرسولية السابقة لها، بعد اندثارها، وكانت تحكم معظم اليمن باستثناء مناطق الجبال الشمالية التي تنافس عليها الأئمة الزيديون، لكن دولة الطاهريين انتهت على أيدي المماليك.

عُرف السودي بتنقلاته بين مناطق يمنية والحجاز، وكان بداية حياته تلميذاً لدى أساطين العلم وأئمته في تُهامة، ثم في مكة والمدينة المنورة وصعدة وصنعاء وتعز، ثم مدرّساً لعلوم شتى، وقد قصده خلال فترات تدريسه عدد كبير من طلاب العلم والمريدون.

وحُكي عنه أنه "كان يكتب بالفحم على الجدران كلما عنَّ له نظم؛ فيأتي تلاميذه فيوثقون ما يكتب في دفاترهم، وكانت أشعاره تُنشر وتُغنى في المجالس، وسمع مرة قصيدة من نظمه فطرب لها وتمايل، وسأل عن قائلها، فقيل: إنها من نظمك؛ فأنكر ذلك وقال: حاشا ما قلت شيئًا، حاشا ما قلت شيئًا".

وللسودي ديوانان شعريان، جُمعا بواسطة تلاميذه: "بلبل الأفراح" وهو بالفصحى،  و"نسيمات السحر ونفحات الزهر" الذي كُتبت قصائده بالفصحى غير المعربة القريبة من لهجة الغالبية العظمى من اليمنيين.

ومن غنائياته المنتشرة :

"بلبل الحجف اليماني 
لم أزل منه مُبلبل
كلما غنى شجاني 
قط لا مليت ولا مل
ﻗﺪ ﻋﻨﺎﻩ ﻣﺎ ﻋﻨﺎﻧﻲ 
ولهذا ﻣﺎﻝ ﻭﻣﻴﻞ ".

ومن موشحاته المنتشرة:

"حاضرٌ في القلب لم يغب
لذَّ لي في حبه تعبي
لست أنساه فأذكرهُ
انا فيه دائم الطربِ

مِحَني في عشقه مِنَحي
لم يلمني فيه غير غبي
سقمي من سَقمِ مقلته
والشفا في ذلك الشنبِ
سلب الألباب محتجباً
كيف لو يبدو من الحجب"

*** 

كما كان له عدد من الرسائل والمكاتبات أبرزها "الذخيرة في تعبير الرؤيا". ويؤكد الباحث والمحقق المتخصص، في أدب وصوفية السودي، عبد العزيز سلطان المنصوب، بأن "السودي ذاع صيته في اليمن كلها وتعدّاها إلى الحجاز ومصر والهند والحبشة".
ويضيف انه "برع في علم الحديث والقراءات والنحو والبديع والبيان وعلم الفرائض وعلم التصوف.. وحين عرض السلطان عامر بن عبد الوهاب، سلطان الدولة الطاهرية، عليه، أمر توليته لقضاء تعز، اعتذر الشيخ رغم زيارة السلطان له في بيته لهذا الغرض، وإعادة الأمر عليه مرة ثانية وثالثة، والسبب لأنه كان يراه سلطاناً ظالماً".

وكما يورد المنصوب، فإن "القهوة عُرفت في تلك الفترة أيضاً، وكانت مثار جدل كبير بين علماء المسلمين في اليمن والحجاز ومصر، بين مبيح ومحرّم لها. وكان السودي كثير الولوع بها ووصلت فتاويه بتحليل القهوة إلى مختلف الأقطار وكان له الأثر الكبير في إقناع الناس بها".

على أن عملية تفجير ضريح السودي هي "نتاج ثقافة متطرفة دخيلة على المجتمع التعزي الواعي والمثقف والمتسامح"، بحسب تعبير أحد المواطنين في تعز.

ومن ناحيته يرى الناشط نصر الزريقي، أن مسؤولية تفجير قبة السودي "تقع على المحافظ والأمن الرسمي والمجلس العسكري التابع للشرعية، الذين تركوا هذه المناطق للعابثين". والصحيح أن مدينة تعز ما زالت محاصرة عند منافذها الكبرى الرئيسية، ولم تتقدم المقاومة لفك الحصار، في حين لا يوجد سوى منفذ واحد بإتجاه عدن. إلا أن مدينة تعز تحررت من الميليشيا الحوثية نهاية 2015. ورغم ذلك لم تُقدم الحكومة على إعادة أدوات الدولة وتفعيل مؤسسات السلطة المحلية، مكتفية بالإنسجام مع تبريرات انفلات السلاح، وهيئات الضبط التابعة للمقاومة وفصائلها المتعددة، والتي لها كوارثها بلا شك. في المقابل تصاعدت دعوات المتطرفين لمنع الإختلاط، والتكفير والتخوين بسبب الرأي والنقد، بل وانتشار أعمال البلطجة والقتل...

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها