الخميس 2016/05/05

آخر تحديث: 13:58 (بيروت)

مارك كازنز: اليكم أفلامي العشرة المفضّلة

الخميس 2016/05/05
مارك كازنز: اليكم أفلامي العشرة المفضّلة
مارك كازنز في كارلوفي فاري كاشفاًَ عن وشمه الذي يحمل اسم ايزنشتاين وآخر بإسم لو كوربوزييه. (هـ. ح.)
increase حجم الخط decrease
“في رأيي، المواطن كاين ليس أفضل فيلم لأورسون وَلز”، يقول مارك كازنز وهو يلقي بجسده الضخم على كنبة الردهة في فندق “ألكترا بالاس” المطلّ على بحر تيسالونيك. تصريح “خطير” نظراً للمكانة المرموقة التي يحتلّها الفيلم في تاريخ السينما، ودفعت تصويتات النقّاد المتكررة منذ نصف قرن إلى تثبيت العرش الذي هو عليه. هذا الرأي السريع لواحد من أبرز متذوقي السينما في العالم الذي أنجز وثائقياً من ١٥ ساعة عن تاريخ الشاشة بعنوان "حكاية الفيلم"، يحملنا إلى حديث يقطع الأنفاس طوال ساعة من الزمن عن السينما وعشقها ومشاهدتها الأكولة. في كلّ مرة كنت أذكّره بفيلم يحبه، كان يرمي بظهره في الكنبة ويصيح: "واو، واو، واو، يا له من فيلم". وليس هناك أفضل من كازنز لنبش أفلام سقطت سهواً من الذاكرة السينيفيلية الشعبية وإعادة تقويمها في ظلّ الراهن معيداً لها الاعتبار. أو حتى إعادة النظر في المسلّمات: "العراب" تحفة، لكن هناك أرفع منه قيمة. و"فرتيغو": أعشقه، لكنني أفضّل "مارني". 

الياباني ياسوجيرو أوزو مخرجه المفضّل، و"المرأة الحشرة" لشويه إيمّامورا هو العمل الذي لا يضع فوقه أيّ عمل آخر. يقول: "أوزو كئيب وسوداوي. لكن الرقّة التي يغلّف بها أفلامه سواء بصرياً أو عاطفياً أو روحياً، تمدّك بانطباع بأنه مخرج تكعيبي، والبعض يرى أنّ الحوارات لديه تأتي على الطريقة التي يرسم بها بيكاسو الإناء".

يروي كازنز البالغ من العمر ٥١ عاماً انه عندما كان صغيراً، كانّ النقاد الذين يتابعهم قلة. أحبّ "الجميع” الأميركية بولين كايل وأمثالها، وهو لم ينجذب إليها كثيراً. دونالد ريتشي (كاتب أميركي متخصص بالسينما اليابانية) اضطلع بدور مهم في تثقيفه سينمائياً. في الصحف، يقول، "لم يكن من الممكن العثور على الكثير من المقالات النقدية القيمة". ثم اكتشف فرنسوا تروفو وكتابه "أفلام حياتي"، والطريقة التي قدّم فيها "جوني غيتار" لنيكولاس راي. استوقفته راديكالية تروفو: "إذا لم يعجبك هذا الفيلم، فلا تشاهد أيّ فيلم آخر". استوقفه شغفه بالسينما وسؤاله: “هل الحياة أهمّ من السينما؟". سؤال وجد عليه كازنز الجواب: "نعم، الحياة أهم، ولكن مجرد التجرؤ على سؤال كهذا أجده مشوّقاً". 

يقول كازنز عن بداية علاقته بالسينما: "ما لاحظته، حتى عندما كنت أشاهد الأفلام في صغري، هو أنّ الشكل يهمّني بقدر اهتمامي بالمضمون. كانوا يسألونني عمَّ يتحدّث الفيلم؟ فأردّ أنه في الحقيقة، لستُ متأكداً من الحكاية. فالشكل واستخدام الفضاء كانا يصفعانني في وجهي. عندما تشاهد فيلماً يكون الشكل فيه بجودة المضمون، تشعرُ أنّك تشاهد فيلمين. كلّ فيلم لأوزو فيلمان. وما يثيرني في الموضوع هو أنّ عقلك على غرار أعصابك، يحاول الاستمالة إلى الفيلمين، وهذا يجعل العمل أفضل. تحاول معرفة ما مصدر هذه المشاعر. الأمر أشبه أن تشعر بالجوع".

في الآتي، الأفلام العشرة المفضلة لدى كازنز عبر تاريخ السينما.

١ - "أصوات بعيدة، حيوات راكدة" لتيرينس دايفيس:
من التيمات الأساسية التي لاحظتُ اهتمامي بها: كيف يضمّد الإنسان جراحه. أحياناً، ليس بالضرورة أن يفرّط الإنسان بنفسه. الفيلم هو عن هذا النهوض. إنها حكاية شاب والده عدائي، لكن من خلال الأغنيات والسينما يدخل في يوتوبيا، فيتحقق خلاصه. دايفيس استمدّ الحكاية من طفولته التي كانت مؤلمة جداً، لكنه حوّلها إلى متتاليات بصرية في منتهى الروعة، فاستخدم تقنيات السينما ليضفي بعض الكمال على سيرة كانت مهمة بالنسبة إليه. ليس في الفيلم أيّ لقطات أرشيفية أو كاميرا محمولة على الكتف. المواقف حقيقية، لذا يمكن ربطها بسينما وثائقية ما. شاهدته في حينه، وآنذاك لم أكن قد شاهدتُ بعد أياً من أفلامه السابقة. منذ مشاهدتي الأولى، تراءى لي أنه الطريقة المثلى للنظر إلى الخلف، إلى الحرب التي مرّت. باستثناء فيلمه "انجيل النيون"، أحببتُ كلّ أفلام دايفيس. له نَفَس اوبيرالي على طريقة فيسكونتي، يأتي من إيمانه بأن الأشكال والألوان السينمائية هي سبيله لإجراء توازن مع المأساة.
 
٢ - "الجيش الامبرطوري العاري يواصل زحفه" لكازو هارا:
هذا فيلم وثائقيّ حربيّ بطله شابٌ شارك في الحرب العالمية الثانية، وبعد نهايتها لم يعلم هو ورفاقه أنها انتهت. وعندما يختفي أحد رفاقه، يحاول معرفة سبب الاختفاء، فيكتشف أنه تحوّل كانيبالياً (من أكلة لحوم البشر). إلا أنّ الجنرلات يرفضون الإقرار بهذه الحقيقة. من وجهتَي النظر الأخلاقية والمعنوية، هذا الفيلم يوفر أقسى أنواع المشاهدات، فيرينا أنّ اليابانيين ساعدوا بعضهم البعض في أقسى الظروف خلال الحرب، وهي حالٌ كان يجب أن توثّق كي لا تسقط من الذاكرة. ببساطة: تحفة سينمائية صادمة، خصوصاً أنها تنتمي إلى الوثائقي وكلّ ما نراه حقيقياً. ثمة مشهدٌ يقاتل فيه شابٌ رجلاً مسناً. مشهد مزعجٌ جداً يخضّك. السؤال الذي نطرحه على أنفسنا: هل يستحقّ القيام بهذا كله، فقط لأنّ العسكر ينكرون جرائمهم؟ طالما كنت من هواة السينما اليابانية، حتى عندما اكتشفتُ هذا الفيلم. إنها السينما المفضّلة لدي. أعتقد أنّ اليابانيين أنجزوا أفضل الأفلام الوثائقية في العالم. المسألة بهذه البساطة. أوزو هو على الأرجح السينمائي الأعزّ على قلبي. الأفلام اليابانية لا تحظى بمعرفة كافية في الغرب، ولم تكن معروفة البتة حتى نهاية الأربعينات عندما بدأ مهرجان فينيسيا عرضها. حتى ذلك الحين، ظلّت هذه السينما مجهولة تقريباً. التقيتُ كنزو اوكوزاكي الشخصية التي يستند إليها الفيلم وأجريتُ معه حديثاً. أعرفُ أفلام هارا الأخرى وأقدّرها. 
٣ - "باحثات الذهب لعام ١٩٣٣" لمرفين لوروا:
آوه، أعشقه. ينطوي على عناصر من "أصوات بعيدة، حيوات راكدة". في الحكاية كثير من الأسى. إنها عن رجل يعود من الحرب العالمية الثانية، وإنما مرفين لوروا اختار الميوزيكال ليقارب الحكاية. ثمة عروض الفتيات الراقصة اللواتي تبدين كفكرة تجريدية وهن شبيهات بنبتة السحلبية. أغنية "رجلي المنسي" تبلغ بالفيلم ذروته: سيدة تغني، جنود يمشون المشية العسكرية، سفن تبحر على الشاشة. إنّه خليطٌ من المضمون الاجتماعي والشكل السينمائي الطليعي. عندما يقترن هذا بذاك، توقّع شيئاً يتفوق على كلّ التوقعات. الجمال المقترن بالحقيقة باهر. شاهدتُ هذا الفيلم عبر شاشة التلفزيون عندما كنت صبياً. ترعرعتُ خلال الحرب في بلفاست، وهذا ما كان يحدّ من عدد المشاهدين الذين كانوا يرتادون السينما. التلفزيون كان نافذة لاكتشاف الروائع. كان والديَّ يخلدان إلى النوم، فأجلسُ في العتمة لوحدي وأشاهد تلك الأفلام. أحياناً، كنت أصرخ: "واو، ما هذا؟". بعض الأفلام لم أكن أفهم عمّا تتحدث، مثل الفيلم الـ"نوار" الذي يتضمن مَشاهد جنسية. كنت لا أزال يافعاً.
 
٤ - "ذاك الذي صُفع" لفيكتور سيوستروم:
هذا فيلم دادائي سريالي عن حق. جريء بصرياً وصامت. إنه عكس الواقعية ونقيض الوثائقي. لون شيني يضطلع بالدور الرئيسي. الفيلم يشبه السيرك، إلا أنني لم أشاهده منذ زمن طويل، وكنت اكتشفته بالـ"دي في دي" قبل سنوات. من النادر أن تحظى بفرصة مشاهدة فيلم هوليوودي صامت لسيوستروم. بصراحة، لا قصة في الفيلم كونه ينطوي على مَشاهد فانتازماغورية. أشبهه بـ"أمبرطورية اينلاند" لديفيد لينتش. 
٥ - "المرأة الحشرة" لشويه إيمّامورا:
هل شاهدتَ "نيويورك نيويورك" لسكورسيزي؟ هذا الفيلم يشبهه. فيه كثير من المعارك. أعتقد أنّ هذا أفضل فيلم أنجزه إيمّامورا وهو ربما أفضل فيلم شاهدتُه في حياتي. المشهدية عريضة، التكوين رائع. نتابع معاناة امرأة وثمة مشهد نراها فيه ترضع والدها من صدرها. عليها ممارسة الدعارة والصراع من أجل الحصول على ما تحتاج إليه، وفي النهاية تنتصر. لا يوجد فيلم في العالم بأسره يضاهي هذا الفيلم على صعيد التكوين. مرة أخرى، على غرار فيلم تيرينس دايفيس، يجتمع هنا أسوأ الأشياء في الحياة وأفضلها. فيما أحدثكَ عن هذه الأفلام، انتبهتُ إلى أنها تنطوي على مآسٍ. شاهدته على شاشة كبيرة عندما كنتُ في السابعة والعشرين. كنتُ ملماً قبل ذلك بالأفلام الأسلوبية وكنت شاهدتُ أفلاماً هوليوودية، لكنها كانت تفتقر الحقيقة. 

٦ - "جانّ ديلمان" لشانتال أكيرمان: 
إليك فيلمٌ عن الزمن. نشعرُ به عندما تكون جانّ في المطبخ وتقطع الخضر قطعاً صغيرة. البعض يجده مملاً، ومن ناحيتي أجد أنّه يُعرّض المُشاهد إلى نوع من تنويم مغناطيسي. لستُ من هواة السينما المونتاجية، حيث كلّ شيء يسير بإيقاع سريع. تروقني اللقطات التي تملك قدرة القبض على الأنفاس. أكيرمان كانت بارعة في هذا المجال، تركيزها دائماً على ما يحصل خارج إطار الصورة. غيرها برع في ذلك كبيلا تار أو تاركوفسكي. وكون أكيرمان امرأة، فهذا يعنيني أكثر. لسبب ما، أفضّل أفلاماً بتوقيع نسائي. لأكيرمان أيضاً مقاربة مشوقة للحدود والأجناس. يا لها من سينمائية عظيمة!
٧ - "الأمّ والعاهرة" لجان أوستاش:
يا إلهي، يا له من فيلم! ثلاث ساعات من الكلام! هذا فيلم تشعر فيه فعلاً ماذا يعني أن يحتضر الحبّ. ولكنك كمُشاهد تشعر بأمان، ذلك أنّ ما تراه مجرد فيلم. عندما تشاهده، تنتابك رغبة بالوجود في تلك المقاهي الباريسية برفقة هؤلاء الناس الجميلين. هذا فيلم ايروسي ومأسوي في آن. تشعر برغبة في أن تكون قريباً جداً من كلّ هؤلاء، ولكن لا تريد الشعور بالألم الذي يغلفهم. جان أوستاش كان معلماً في إشاعة هذا الجوّ. أخبرني أحد مَن كان على معرفة به أنه كان يطفئ سيجارته على ذراعه. كان رجلاً صعباً. ولكن هذا الرجل المعذّب وصف عالماً في منتهى الروعة والأسى. طبعاً، هناك حضور جان بيار ليو. الثقافة الفرنسية تتحمّل هذه الأفلام، لأن الفرنسيين يمتلكون تراثاً فلسفياً، ولديهم تقليداً عريقاً في خطاب المقاهي وفي الحياة العامة. أتذكّر أنه كان هناك شخصان في السينما عندما شاهدته في ادنبرة. تبيّن لاحقاً أنّ المُشاهد الآخر صديقٌ لي، فذهبنا لاحتساء بيرة معاً وتواصل الحديث ليشمل فرنسواز لوبران، احدى شخصيات الفيلم. هذا فيلم عليك مشاهدته عندما تكون يافعاً. 
٨ - "الفيلق الروسي" لألكسندر سوكوروف:
سوكوروف يقول أن لا تحف في السينما، لكنه أنجز تحفاً سينمائية. هكذا هي العقلية الروسية. سوكوروف يميني مقتنع وهذا لا ينقص من أهميته. استعمال الصوت في هذا الفيلم مبهر. عند المشاهدة، تحتاج إلى لصق أذنيك بالشاشة لتستمع إلى همسات التاريخ. سوكوروف مهتم بالتقاط روح روسيا العظيمة. إنها تجليّات الفكرة القومية. طبعاً، يفعل هذا كله بأناقة وروعة شديدين، حدّ أنّه يصعب عليّ انتقاء فيلم من أفلامه وتفضيله على آخر. في سينماه حسّ اللاوعي الجمعي. وفيها أيضاً مبدأ الوحدة، وهذا له بالغ التأثير في داخلي. لا أؤمن به بالضرورة ولكن أتأثر بمفعوله. المشهدية عند سوكوروف سطوتها عالية على العين، فيكفي أن ترى“أمّ وابن” مثلاً، لتخال ألسنة النار تمتد إليك من أسفل الشاشة. إنه شيء في منتهى الروعة. هل شاهدتَ "مايكينغ أوف" هذا الفيلم؟ في نهاية اللقطة، عندما يقول "اقطعْ"، سوكوروف ينهار، والناس من حوله يبدأون في البكاء من شدة الصعوبة في تنفيذ الفيلم- اللقطة. 
٩ - "لايت سليبر" لبول شرايدر:
هذا أفضل فيلم لشرايدر، أرفع شأناً من "سائق التاكسي" و"الثور الهائج" (كتب لهما السيناريو). كثير من أفلام شرايدر تتحدث عن ناس يراقبون الحياة التي من حولهم. هنا، لدينا إحساس أن ترايفيس (بطل فيلم "سائق التاكسي") يقود السيارة وويلَم دافو يجلس في المقعد الخلفي. الفكرة لامعة جداً. لا أعرف لماذا يمسّني الفيلم إلى هذا الحدّ. إنه عن شخص في منتصف العمر، يراقب كيف تمضي الحياة وتتفلّت منه، والسؤال الذي يتكرّر: لمَ البقاء على قيد الحياة؟ طبعاً، الفيلم مصنوع بشكل باهر. هل سبق أن قابلتَ شرايدر؟ يا إلهي، إنه أكثر الناس ثقافة وفكراً التقيتهم في حياتي. رجلٌ محبط ونرى هذا في أفلامه. فيلم بديع. 
١٠ - "لمسة شرّ" لأورسون وَلز:
المرة الأولى ذهبتُ فيها إلى لوس أنجليس، نزلتُ إلى فينيسيا. كوني "نرداً"، زرتُ الشارع الذي صُوّرت فيه اللقطة الافتتاحية لـ"لمسة شرّ". شاهدتُه عندما كنت صبياً كالعادة بعد منتصف الليل. علاقتي بهذا الفيلم شخصية جداً. جعلني أشعر بالثمالة ومنذ ذلك الوقت ما زلت مخموراً. كلما شعرتُ أنني في خطر، وجدتُني أدندن نوتات البيانو الذي تعزفه مارلين ديتريتش، وكان هذا يساعدني دائماً لتخطي الأزمات. يا له من اكشتاف عظيم. شعرتُ كأنني ألمس قطعة من المخمل. بعد سنوات عدتُ وشاهدته، وتسنّى لي أن أفعل ذلك مع جانيت لي. هناك ميلانكوليا رهيبة. بصراحة، أجده أهم من "المواطن كاين" لناحية التوازن بين الشكل والمضمون، مع أنني أحبّ "المواطن كاين" أيضاً.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها