السبت 2016/03/05

آخر تحديث: 11:14 (بيروت)

لمى رباح وفتاة بحمد.. نوافذ مطلة على "الألوان الحقيقية"

السبت 2016/03/05
increase حجم الخط decrease
 
تقدم صالة "آرت سبيس" الحمرا (بيروت)، معرضاً تشكيلياً بعنوان "الألوان الحقيقية"(*)، يضم مجموعة من اللوحات المشغولة بالأكريليك والألوان الزيتية وبأحجام مختلفة تُدخل البهجة إلى قلب زائرالمعرض وتبعده، ولو لفترة زيارته، عن المتاعب والهموم اليومية، وعن فظاعات الحرب والمصائب المتتالية التي يعيشها العالم العربي. يتشارك في هذا المعرض لمى رباح وفتاة بحمد.

أحسن القيمون على المعرض المشترك توزيع الأعمال الفنية على جدران الصالة، بشكل لم يقم شرخاُ فادحاً بين الأسلوبين الفنيين المختلفين اللذين تعتمدهما الفنانتان، ولكنه أيضاً لم يخالط بينهما بشكل يضيع الاختلافات وينشر الفوضى اللونية مما يؤدي إلى إضعاف قدرة المُشاهد على استيعاب المقاربات الفنية التي تبنتها لمى رباح وفتاة بحمد لمواضيع متشابهة. فالمشترك بينهما هو اللون وتجلياته الغزيرة في فضاء أعمالهن الفنية. تكاد أن تكون المشاهد الطبيعية وتلك التي تصوّر الشرفات المُطلة على الخضرة الباهرة، أو تلك التي تصور كؤوس الشاي والمقاعد المزركشة، مجرد ذريعة للإمعان في التلوين وتشكيل أطياف اللون الباهرة وتوتر نبراته في اللوحات. 

على أن الاختلاف شديد بين الفنانتين من ناحية نوعية التعبير ودرجة الإفصاح عن مكنونات النفس، ومن ناحية السرعة في الإنجاز، أي إنجاز اللوحة.

تتطلب اللوحة الزيتية تأنٍّ وتبصّر في التداخلات اللونية وتصويب كيفية انسجامها أو تناقضها مع بعضها البعض. أما اللوحة المشغولة بمادة الأكريليك فتعتمد على السرعة في اختيار اللون ووضعه على اللوحة كما تعتمد في شكل أساسي على تجاور الألوان أكثر من تبنيها لمنطق التداخل والتمازج.

إلى جانب اختلاف الأسلوب الذي تعتمده لمى وفتاة والجدارة الفنية التي تتصف بها معظم اللوحات، ربما يمكن اعتبار هذا المعرض من أهم المعارض التي تقدم للمهتمين بالفن وطلاب الفنون في الجامعات والمدارس على السواء، هو تمثيل دقيق وقيّم عن الاختلاف ما بين ألوان الأكريليك والألوان الزيتية، وبالتالي الاختلاف ما بين شخصيتي لمى رباح وفتاة بحمد.

تبدو لوحة لمى رباح المشغولة بألوان الأكريليك حادة التعبير وواضحة المعالم، وقوية من ناحية التركيب والتقسيم والتداخل ما بين أجزاء وتفاصيل اللوحة. وربما تعكس شخصية الفنانة الواثقة من ذاتها وحيويتها في التعاطي مع العالم الخارجي. ألوان لمى رباح براقة ومُبهجة ومشغولة بحرفية مكنتها من تشكيل المَشاهد بوضوح كبير بالرغم من تداخل الألوان وتلاقي الخطوط المرسومة في أجزاء عديدة من مساحة اللوحة. لوحتها تقع تحت سيطرة عقلها وعاطفتها في الآن ذاته، مع الإشارة أن العقل يشتغل كثيراً في لوحتها أكثر مما تشتغل العاطفة.

يختلف الآمر مع فتاة بحمد. لوحاتها مشغولة بالألوان الزيتية في تأنٍّ أنيق وعاطفة كبيرة لها منطقها الخاص. لعل ذلك أقوى ما يميز لوحتها المشغولة بشغف وحساسية عالية في تلقّف أدنى تفصيل ضوئي/ لوني يقدمه المشهد أمامها. المشهد التي ترسمه بجوارحها وبريشتها الخبيرة. ربما تعكس لوحة فتاة بحمد شخصية خجولة وشديدة الملاحظة لما يحيط بها. وفي حين تبدو لوحة لمى رباح ذات خطاب واضح وسريع، تبدو لوحة فتاة بحمد منسجمة مع ظهورات عدة تجيء متتالية ولا تقدم نفسها دفعة واحدة، وهي دائماً تحت ضوء المُساءلة. مُساءلة لا تتوقف، وهي في كل لحظة عُرضة للتحول. قد تكون هذا السمة الخاصة بأسلوب الفنانة ما يجعل لوحتها قابلة لأن تكون منطلقاً وانبثاقاً للوحات جديدة ومُختلفة من ضمن أسلوب واحد يحمل امضاء الفنانة.

ثمة أمر أكثر أهمية يخطّ الاختلاف ما بين لوحة لمى رباح وفتاة بحمد. في حين أن لوحة لمى رباح تُقرأ من الخارج إلى الداخل، إذ هي مشغولة بنظرة المشاهد إليها وبمدى اعجابه بها، لوحة فتاة بحمد تُقرأ من الداخل إلى الخارج. لوحة "جوّانية" إذا صح التعبير. لوحة تستدعي بهدوء وتحفّظ المُشاهد إلى داخل اللوحة، لتتركه هناك شبه مُخدّر بما تقدمه له من إيحاءات.


(*) يستمر حتى 12 اذار الجاري.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها