الأحد 2016/12/18

آخر تحديث: 23:29 (بيروت)

بالمناسبة: من" نحن"؟

الأحد 2016/12/18
increase حجم الخط decrease
"نحن جميعاً خسرنا كثيراً حين سكتنا على فتوى الخميني ضدّ سلمان رشدي".
آنذاك قلت لجوزيف: من "نحن" يا جوزيف؟ فاستنكر سؤالي الذي كرّرته مراراً، معتبراً أنّه سؤال استنكاري للسخرية ولعبث الاعتراض.

ظلّ جوزيف كذلك لفترة طويلة قبل أن يذهب إلى أولويّات أخرى. قبل أن يخفّف من ندمه على فشل(نا) وغيابنا التام عن الردّ على فتوى الخميني. وقبل أن يرى جوزيف الشعوب من جحافل الأصوليين من باكستان إلى البسطة وحيّ السلّم تصرخ مطالبة بإعدام الكاتب رافعة السواطير لقطع رأسه. أعني الشعوب التي كان جوزيف يقيس على إرادتها.

أواخر الثمانينات بقي كثيرون مدهوشين من فتوى الخميني، الثوري الكامل والأصيل غير المستورد، جامع طرفي الحريّة والإيمان. بقيت فتواه كأنّها صدفة، حدثٌ عابر في مسيرة مجيدة سوف يصار إلى تصحيحها. وآنذاك لم يكن لذلك الإسلام بعد بُعده الداعشي، وكنّا مشغولين جداً بحروبنا الداخلية التي أتت على جزء معتبر من أدمغتنا، الجزء المشدود دوماً إلى بوصلة "إرادة الشعوب".

مناسبة الحديث هي في الواقع مناسبتان. الأولى – ومرّة إضافية – هي في صعوبة إلتفاتنا إلى الخلف ووزن "الأخطاء الشائعة" في تلك السنوات. والثانية هي مناسبة صدور رواية رائعة لسلمان رشدي تُرجمت مؤخراً إلى الفرنسية بعنوان "سنتان وثمانية أشهر وثماني وعشرون ليلة"*.

أمّا صعوبة الالتفات إلى الخلف فقد أصبحت اليوم ومع مرور هذا الزمن الطويل تشبه الوحي بنظم الأشعار، تلك الأشعار العاطفية التي تقف على أطلال الماضي بحنين لا يفيد إلّا بقدر ما تصدره اللغة من طنين. والأريحيّة الشعرية تأتي طبعاً من أوهامنا ومن إحساسنا المفبرك بأهميّتنا. بما معناه أنّنا كنّا "الزير" شديد البأس الذي لم يوفّق بالخروج من "البير". وإلّا لكان التاريخ، كلّ التاريخ، قد تغيّر.

لم تفلت منّا أو تقع سهواً فتوى الخميني. فطرف عباءته كان مبلولاَ بـ"إرادة الشعوب" إيّاها. وفي ذهننا مشاهد الزحف الثوري للقائه عائداً إلى الوطن من المنفى، محطّماً واحدة من أعتى الدكتاتوريات. كنّا، وما زلنا، أسرى الإستيتيكا. فنّانون وشعراء كلّنا، بشكل من الأشكال. وقلوبنا لا تستنظف كلّ ما يبعد الشعب عن إرادة الشعب...

هكذا أبعدت الثورة الإسلامية الأصيلة قراءة سلمان رشدي كأديب كبير. والجريء منّا تناول بالمديح روايته "أبناء منتصف الليل" لأنها بريئة من "التعرض" للإسلام. بعد ذلك الجميع يعرف الحكاية...

المهمّ راهناً أن رواية رشدي الأخيرة – في نسخة حديثة لألف ليلة وليلة – إن قرأناها اليوم من المنطق القديم إيّاه: "مع أو ضدّ الإسلام والمسلمين" سنجد أنفسنا أمام السؤال: مع أيّ إسلام أو مسلمين، وضدّ أيّهما تقع هذه الرواية؟ اليوم وقد سبقتنا الأيّام وصار الإسلام الإيراني نفسه يتعاطى "الريل بوليتيك" فاختلفت حروبُه. أعني بحسب حروب اليوم لن يتّفق المسلمون حول أفضلية إبن رشد على الغزالي، كما يفعل رشدي وربما قتلوا ابن رشد ثانية، أو أقلّه أصدروا فتوى بقتله. فالشعوب المسلمة ما "زالت" في ذلك الصراع بين العقلانية والظلامية، بين المخيلة والإبداع من جهة والتزمّت المتطرّف الدافع إلى الإرهاب من جهة أخرى. وفي أية جهة إذاً يقع الملحمي والأسطوري والفكاهي اللذيذ من الفلسفي والفقهي المرجعي؟


"نحن" يا جوريف أبناء ابن رشد صرنا اليوم في الألفية الثالثة، أقلّ عدداً وأضعف فعلاً أمام عفاريت الغزالي الجديد.
ينبغي أن نقول ما هو أهمّ من كلّ ما تقدّم: متعتة قراءة هذه الرواية المذهلة...

(*) تصدر قريبا بالعربية عن منشورات الجمل بترجمة خالد الجبيلي.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب