الأحد 2016/11/06

آخر تحديث: 13:20 (بيروت)

فاتنات روسيات4: مورا بودبيرغ الجاسوسة وعشيقة مكسيم غوركي

الأحد 2016/11/06
increase حجم الخط decrease
قبل مدة، كشف تقرير لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية أن مورا بودبيرغ، جدّة نائب رئيس الوزراء البريطاني السابق، نك كليغ، كانت جاسوسة لها علاقات جنسية واسعة ومتشعبة. ومورا بودبيرغ روسية - أوكرانية (1891 - 1974)، عاشرت رجالاً أقوياء، وبحسب "الديلي ميل" كان الشيوعي غينريخ ياغودا، أشد عشاقها، وكان مسؤولاً عن ارتكاب أكبر المجازر الجماعية، شارك في الحرب الأهلية الروسية التي جرت بين الاشتراكيين "الحُمر"، ومعادي الثورة البلشفية "البيض"، قبل أن يُعدمه ستالين العام 1938...

ومورا من الشخصيات التي لا تذكر كثيراً في الأوساط الأدبية، ولا تتوافر معلومات كثيرة عنها بالعربية، بالرغم من صدور كتب خاصة عنها بالفرنسية والإنكليزية، الى جانب تصوير أفلام عن حياتها. وأعد الكاتب يفغيني دياكونوف، تقريراً عن شخصيتها في قناة "روسيا اليوم"، إذ كانت لديها ألقاب كثيرة، منها بودبرغ وبيكيندورف وزاكريفسكايا وشتيرنبرغ وغيرها. هي شخصية ساحرة، كثيرة التناقضات، ناجحة في مهمة التجسس والشغف الغرامي والجنسي. وُصفت بـ"الأرستقراطية" باعتبارها من الزمن القيصري، قبل أن تقلب الثورة الشيوعية حياتها بشكل جذري. وهي "الحديدية" لأنها أوهمت الكاتب الشيوعي، مكسيم غوركي، بالكثير من الأمور. وتبيّن وثائق نُبشت من الأرشيف الوطني البريطاني، أن هناك أقاويل بأن مورا بودبيرغ كانت عميلة مزدوجة للبلاشفة والألمان في الفترة الواقعة بين 1922 و1931. وهناك مزاعم أيضاً بأنها كانت عميلة نازية في العام 1942، وعميلة سوفياتية في العام 1951... وبالطبع هذا جزء من الحكاية التي تكبر مثل كرة الثلج وتتعلق ببعض الشخصيات. ومورا كان جسمها لبّيساً، ويمكن نسب الكثير من الأفعال والأحداث اليها، وهذا من لاحظناه في تقارير متضاربة كُتبت عنها، ويمكن دحضها بسهولة.

تزوجت مورا للمرة الأولى العام 1910، من إيفان (أو جون بحسب رواية أخرى) بيكيندورف، الدبلوماسي الروسي، وهي في الثامنة عشرة من عمرها. وسافرت معه الى ألمانيا وعملت في السفارة الروسية في برلين. أنجبت طفلين، لكنها سرعان ما تورَّطت في علاقات أخرى، وخصوصاً مع البريطاني لوكهارت، والذي ربما يكون الحب الأكبر في حياتها. أثمرت تلك العلاقة عن حَمل، لكنها لجأت إلى الإجهاض بعد وقت قصير من سجْنها. كاتب سيرتها الذاتية يدَّعي أنها تنتمي إلى "شيكا" (الشرطة السرية)، وربما كانت تقوم بأدوار تجسُّس على لوكهارت. وضُبط الاثنان في الفراش حين اعتُقلا في قضية التآمر لاغتيال لينين العام 1918. ويُقال ان الإفراج عنها حدث بعدما نامت مع ياكوف بيترس، نائب قائد الشرطة السرية السوفيتية وقتذاك، في مقر الشرطة السرية سيء الصيت في لوبيانكا. ولعلها في تلك الساعة جُنّدت بالاكراه للعمل كجاسوسة لصالح البلاشفة. ونقلت صحيفة "ديلي ميل" عن الصحافي ميلور ستوروا، أن مورا قالت عن بيترس إنه شبيه بدراكولا (مصاص الدماء) وأنه كان فظاً معها، وهدد بإعدامها رمياً بالرصاص في غضون 24 ساعة، ما لم تعترف له بكل شيء تعرفه عن لوكهارت. فردت مورا على بيترس: "كل ما أستطيع الحديث عنه هو قدرات لوكهارت الجنسية، ولا أعرف أي شيء آخر". بعد ذلك بفترة وجيزة أُفرج عنها، وساعدت في التوسط لإطلاق سراح لوكهارت من السجن في الكرملين، في أول مقايضة للجواسيس بين البريطانيين والسوفيات.

كان لديها عشاق كثيرون. إضافة الى لوكهارت، هناك مكسيم غوركي منظّر "الواقعية الاشتراكية"، وهربرت ويلز كاتب الخيال العلمي الانكليزي (التقته العام 1920 وأصبحت عشيقته. وتجددت العلاقة بينهما في العام 1933 في لندن، بعد فراق مع غوركي). وكتبت ليزلي ماكدويل، في "الإندبندنت" (17 يناير 2016)، إن أي شخص قُدِّر له أن يقرأ حياة هربرت جورج ويلز، سيكون على دراية باسم مورا بودبيرغ، والتي كانت واحدة من عشيقات عديدات، وربما الوحيدة التي استطاعت أن تنجو بنفسها.

جهاز الاستخبارات الشيوعية، ساعدها في التعرف إلى مكسيم غوركي، وقد عملت مورا سكرتيرة خاصة وشبه زوجة له بين العامين 1920 و1933 في إيطاليا، وكانت العلاقة شبه دائمة مع انقطاعات قليلة... وهناك تعرضت لمضايقات الفاشيين في زمن موسوليني... وكانت مورا تمتلك قوة جذابة فريدة، لم يستطع كتّاب مثل برنارد شو، وسومرست موم، مقاومة ابتسامتها الفاتنة. ولم تمنعها شائعات ضلوعها في تسميم مكسيم غوركي، من تقاضي الأتعاب الخاصة بنشر مؤلفاته والاحتفاظ بقسم من أرشيفه. وتردد أنها سلّمت مراسلاته للسلطة الستالينية، وهذه المرحلة تحتاج الكثير من الدقة لأن الكتابات عنها غارقة في الالتباسات والتكهنات... في أيامها الأخيرة، ازداد وزن مورا، وكانت تمشي مستندة الى عصا، وكأس الكونياك لا يفارقها. وأحرقت مورا، قبل موتها، مخطوطاتها كلها، وأرشيفها الشخصي، وتوفيت العام 1974 في فلورنسا.

وقالت الكاتبة نينا بيربيروفا، التي كتبت سيرة حياة مورا، إن الأخيرة لم تكن من صنّاع الثورات، مثل زوجة لينين، كروبسكايا، ولم تستكشف الراديوم مثل ماري كوري، ولم تنظم الشعر مثل آنا أخماتوفا، ولم تنطلق الى الفضاء مثل فالينتينا تيريشكوفا، لكنها كانت عشيقة وزوجة لرجال بارزين وكانت تحبهم كلهم. لعل مقدرتها على اجتذاب الرجال الكبار هي موهبة وملذة رئيسة في حياتها، ساعدتها في لعب دور بارز في مصير هؤلاء الرجال ومصائر الدول.

هذا مختصر عابر عن فاتنة روسية أخرى، حياتها تحتاج فيلماً أو كتاباً...
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها