الإثنين 2016/11/21

آخر تحديث: 12:08 (بيروت)

عروة المقداد: في سوريا طفلة ومقاتل وناشط.. وكاميرا تسائلهم

الإثنين 2016/11/21
increase حجم الخط decrease
يقتطع المخرج السوري عروة المقداد ما يقارب أربع سنوات من العمر السوري، ويقدمها في فيلمه التسجيلي "300 ميل"، هي تلك المسافة التي تفصل بينه وبين الضفة الأخرى. درعا، حيث تسجل "نور" يومياتها بكاميرا منزلية، وترسلها إليه، ليكمل بها دقائق الفيلم الـ95. الفيلم حاز منذ أيام الجائرة الكبرى لمهرجان "دوك ليزبوا" في البرتغال، في مشاركته الثانية بعد مهرجان "لوكارنو" للسينما الوثائقية في سويسرا.

منذ نهاية 2012 يلاحق المقداد شخصياته الثلاث الرئيسة، الطفلة نور في درعا، وعدنان الناشط السلمي في أحياء حلب الشرقية، وأبو يعرب قائد إحدى كتائب "الجيش السوري الحر"، المقاتلة على أطراف حلب الشرقية. ربما أراد صانع الفيلم، من خلال هذه النماذج الثلاثة، إبراز دور الفاعلين في المستقبل السوري. يقول المقداد لـ"المدن": "تناولت فئات عمرية مختلفة. كنت أحاول أيضاً في بناء الفيلم، أن اقدم طرحاً آخر مبنياً على تداخل الأمكنة والأزمنة، إن صح التعبير، ففي حلب نرى أبو يعرب ولا تظهر عائلته. في درعا نشاهد نور التي هي من عمر أطفال أبو يعرب. ثم نرى والدها، وهو أيضاً قائدٌ في الجيش الحر، لكنه يظهر في مشهد وحيد، بالتالي أبو يعرب يأخد مكانه. إننا أمام عائلة من كل انحاء سوريا تتشارك الخيار الأخلاقي ذاته، وتدفع ثمنه. يتم تجاهل وجودها، رغم أنها المكون الأساسي للثورة السورية".

ماذا تعني تلك الكلمات؟
مشاهد نور اليومية، والتي هي بمثابة رسائل فيلمية، تطرح الكثير من الأسئلة التلقائية، التي تخطر في بال جيلٍ يكتشف الحياة من خلال مشاهدها الأقسى. كثيرٌ من هذه الأسئلة لن يمر في ذهنها في الأحوال العادية، لكن في هذا الوضع، يدفعها فضولها لاكتشاف كل شيء، ومعرفة معاني الكلمات التي تلتقطها من نشرات الأخبار وصفحات التواصل الاجتماعي. تتوجه بها إلى عمّها المنهك (فراس)، وتسأله عن معناها، ثم تدخل معه في نقاش موسع، وتجادله في أفكاره وتصوراته، تربكه أحياناً، وتعيد تحريض بعض الأسئلة لديه، رغم أنه منهك كحال معظم أبناء جيله، ولم يعد يمتلك الطاقة الكافية لمجاراتها في لعبة الاكتشاف. كل هذه النقاشات الموثقة ترسل إلى شريكها في الفيلم، عمّها الآخر (عروة)، ليجري مقارنته الخاصة، بين الشمال والجنوب، ويشاركنا إياها في النسخة النهائية للفيلم.

خلف الكاميرا وأمامها
على عكس الدور الذي يلعبه في مشاهد الجبهات، يكتفي المخرج برصد وملاحقة تفاصيل الحياة التي يعيشها الناشطون السلميون في المدينة. كان قليل التدخل واقتصد في طرح الأسئلة، وترك الكاميرا تجيب على أسئلتها. يمكن القول إنه كان مراقباً في الأقبية، ومحرضاً على الجبهة. يعلق عروة على هذه النقطة قائلا: "لم أكن محرضاً فقط، بل مواجهاً، ليس فقط عبر الأسئلة، بل من خلال الكاميرا أيضاً، بينما كنت أتتبع مصير الحراك السلمي المتداعي الذي يمثله عدنان ورفاقه على الطرف الآخر. أنا جزء من الثورة ولدي أسئلة للكثير من المقاتلين الثوريين. هذا النقاش الدائر بيني وبينهم هو حالة من المصارحة والنقد الذاتي التي تحتاجها الثورة".

فرضية أبعد من الإثبات والنفي
على جبهات القتال يتكرر سؤال المخرج، لأبي يعرب، عن إمكانية سيطرة النظام على المنطقة التي يدافعون عنها. أبو يعرب ينفي في كل مرة هذا الاحتمال، ويشبهه بالحلم، لكننا أخيراً نرى "أبو يعرب" في منطقة أخرى، ما أثبت صوابية الفرضية التي طرحها صانع الفيلم منذ البداية. هل رسم هذه الفرضية منذ البداية وحاول إثباتها؟ يقول عروة: "هذه الاسئلة تحمل بُعداً رمزياً. تقدُّم النظام يعني خسارة الثوار وهذا ما حدث بالفعل، في حين كان من المفترض أن يحدث العكس. مشهد أبو يعرب في الضباب هو المشهد ما قبل النهائي. وتوظيفه هنا رمزيٌ وليس واقعياً، على الرغم من اعترافه باختلال البوصلة، لكنه ما زال متمسكاً بالثورة. المشهد ضبابي وقاتم ومجهول، وهو سبب في تدمير أجيال كاملة من السوريين، وتحديداً جيل عدنان وأبو يعرب، الذي يكاد يكون مستقبله قد أعدم. على عكس المشهد النهائي، مشهد نور، التي تنظر نحو الشمس. وفي خلفيته أغنية (الهجيني)، المستمرة على التيتر النهائي، وهي أغنية للنصر في التراث الحوراني".

الفيلم الذي استغرق إنجازه قرابة الأربع سنوات، من إنتاج "4 Film art" ودعم مؤسسات "المورد الثقافي"، "بدايات"، "اتجاهات، و"المركز الثقافي البريطاني"، وهو الفيلم الطويل الأول للمخرج، بعد أربع تجارب في أفلام قصيرة.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها