فالنكتة وخفة الدم والكوميديا السوداء، تميز الفيلم عن غيره من الافلام الفلسطينية التي إما تتناول القضية الفلسطينية بشكل خطابي وميلودرامي عفا عليه الزمن، أو تتبنى رؤية حيادية تصب اللوم على المحتل المغتصب وعلى السلطة الوطنية وعلى المناضل الفلسطيني نفسه، بل وتسعى الى "العدالة" في توزيع اللوم هنا وهناك، مراعاة للانتاج المشترك الغربي. اما هنا في "المطلوبون الـ18"، يبتعد الفيلم عن الشعارات والقضايا الكبرى وأحاديث الساسة ومفاوضاتهم، لتقترب الكاميرا ببراعة من حياة الناس العادية وأحلامهم، فنرى الفلسطيني المزارع والراعي والمدرس والفيزيائي وليس فقط نموذج المناضل، بل يصبح النضال الحقيقي في مكابدة القمع اليومي بالعادية والأريحية ورباطة الجأش.
نشهد من خلال الشريط صمود أهالي بيت ساحور اليومي في التحايل على حظر التجوال وتحويله إلى فضاءات للسمر والحكي ولعب النرد والشطرنج، والتفنن أحياناً في إغاظة قوات الاحتلال بأن يصمم أحد أهالي البلدة دمية لبقرة ترفرف بأجنحتها معلقة في سقف أحد البيوت، لتثير استفزاز الجندي الباحث عن البقرات، فيشل بفظاظته المعروفة حركة اللعبة تماماً ويخرسها، أو قد يتوافق الجميع على سماع الأغنية نفسها لأم كلثوم في التوقيت ذاته في الديار المختلفة، رغم أنف حظر التجوال.
فبأثر من طبقات الفيلم المختلفة، ما بين وثائقي وروائي (شعري)، تتجلى خفة دم من نوع خاص، تضع الاسرائيلي أمام المرآة، ليس فقط لنسخر منه ومن خوفه أو ذعره المرضي من ضحيته، ولكن لنتعرف على الحقيقة من زاوية جديدة تختلف عما تبثه نشرات الأخبار عن فلسطينيي الداخل.
وتنتهي قصة نضال بيت ساحور ويتوقف الكر والفر مع بلوغ اتفاقية أوسلو في العام 1993 التي وضعت نقطة النهاية للانتفاضة، وجعلت كل ما دُفع من أثمان للحرية يذهب –في نظر الكثيرين- ادراج الرياح. وتتزامن أحداث أوسلو مع استشهاد انطون شوملي برصاصات الاحتلال، ويصف الراوي-المخرج الفلسطيني وهو ابن عم المناضل الشاب- الكنيسة وقد امتلأت عن آخرها بالفلسطينيين من كل حدب ولون، ليتساءل: هل كانوا يودعون جثمان الشهيد أم ينعون نهاية الانتفاضة نهاية مريرة؟
بينما يتم العثور على البقرات، ويأخذها الجانب الاسرائيلي إلى مصيرها المحتوم للذبح، فنسمع حوار البقرات الأخير في الشاحنة فيما بينهن قائلات "لقد تمت خيانتنا من الاسرائيليين ومن الفلسطينيين" في اشارة إلى نهاية الانتفاضة باتفاقية أوسلو رغم كل التضحيات. تماماً مثلما حدث بعد ثورة يناير المصرية، إذ تم اجتثاث روح الثورة ونتائجها من جذورها، وكما نرى اليوم معظم جدعان الثورة في المعتقلات، صار "جيل الانتفاضة اليوم يُنظر إليه كجيل فاشل" كما يقول المخرج شوملي في حواره مع الجمهور المصري عبر السكايب –لصعوبة حصوله على تأشيرة للقاهرة.
عروض "المطلوبون الـ18"
75 دقيقة، إخراج عامر شوملي وبول كاون، إنتاج مشترك كندا/ فلسطين/ فرنسا.
عرض الفيلم في مقهى "تاء مربوطة" في بيروت، والعرض المقبل في باريس نهاية أيار/مايو، ضمن مهرجان فلسطيني. أما العرض الأهم ففي 10 حزيرانميونيو في نيويورك ضمن "مهرجان أفلام هيومن رايتس ووتش". وبعده بأيام سيفتتح الفيلم تجارياً في قاعات سينما نيويورك ولوس انجليس.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها