الثلاثاء 2015/02/03

آخر تحديث: 11:24 (بيروت)

ليالي المدن: وجوه أمستردام السعيدة أمام واجهات حمراء

الثلاثاء 2015/02/03
ليالي المدن: وجوه أمستردام السعيدة أمام واجهات حمراء
يتحسر حسام على سنوات أمضاها في الرقّة قرب "كازية الراوي" (غيتي)
increase حجم الخط decrease
كل ما تشتهيه ستجده في أمستردام، هكذا أخبرني جاري الهولندي حين وصلت الى أمستردام.. "المدينة الهادئة التي تراها في النهار، لن تجدها في الليل، حيث تتحول الى مدينة مجنونة تماماً".

ظل في رأسي، كلام جاري الهولندي الذي يشبه بوب مارلي، أو يحاول جاهداً أن يتشبه به. رغم ملامحه الهولندية الواضحة جداً، رفع كأسه ورفعت كأسي وتجرعنا دفعة واحدة، التاكيلا الذهبية. مع قضم قطعة صغيرة من الليمون المملح، مع صاروخين من الماريغوانا.

تذكرت هذا اللقاء وأنا أنحدر من محطة "فكتوريا سنترال ستاشون"-أمستردام حيث نقطة تمركز كل القادمين نحو ليل أمستردام، بسبب الموقع الاستراتيجي للمحطة. على بعد أمتار منها متحف الجنس، وبعده مباشرة ساحة "الدام" المعروفة التي تتحول في ليل أمستردام الى حانة كبرى، خصوصاً في الصيف. ولا يجد الزوار حرجاً في التبول على حائط القصر الملكي القديم الملاصق للساحة، وهم يستمعون الى الموسيقى الصاخبة المنبعثة من الحانات الصغيرة خلف القصر الملكي.

لكن الليل الحقيقي لأمستردام في مكان آخر. في تلك الحانات الصغيرة الملاصقة لـ"الريد لايتس". حيث الماريغوانا والهاينيكين وكل أسباب السعادة في ليل أمستردام الطويل.

بين"أود كيرك" او الكنيسة القديمة، و"دام راك" الشارع الذي يربط محطة القطارات، هناك علي بابا، المقهى الأشهر. على الحائط، صور لمحمد علي كلاي وبوب ديلان وبوب مارلي ومايكل جاكسون وإبراهيم تاتليسيس، مع صور صغيرة وكثيرة للزوار التقطوها وهم في قمة النشوة يرفعون كؤوسهم عاليا. رائحة الماريغوانا والحشيش تختلط مع اللغات العربية والتركية والهولندية والانكليزية والالمانية. يتبادل الزوار الخبرات في كيفية إعداد الصاروخ أو أفضل أنواع الحشيش والماريغوانا.. ويصر حسام، وهو سوري غادر سوريا في بداية التسعينات هرباً من النظام وحتى الان لم يحصل على الإقامة في هولندا، على إظهار كرمه البدوي وتقديم كيسه الذي يضم العدة الكاملة لإعداد الصاروخ من التبغ الهولندي الصافي الممزوج مع الماريغوانا الكولومبية النقية، لكل من يسأله عن كيفية إعداد الصاروخ، خصوصاً للشقروات صاحبات العانات الذهبية، كما يقول، وهو ينفث دخانه وفي الهواء. ويغني "مندل يا كريم الغربي"، ويرقص وحيداً... وسط تصفيق عدد من الأميركيين الذين جاؤوا من نيويورك من أجل اكتشاف السعادة الهولندية.

يصر حسام على أنه لا ليل إلا ليل أمستردام. يتحسر على السنوات الضائعة التى أمضاها في الرقة قرب كازية (محطة وقود) الراوي، وذهبت هباء مثل مطر خفيف في الصحراء.
يشعل حسام صاروخاً جديداً ويطلب زجاجة هاينيكن لي، ثم ينهمك في حديث جانبي عن حياته (سنة ونصف السنة بالتمام والكمال) في مصح لمعالجة الإدمان ويضحك: حين كان المعالج ينتهي من واجباته، كنا نمضي أنا وجقماق (صديقه التركي الذي تعرف عليه في المصحّ) الى الحديقة لندخن صاروخاً كنا نحصل عليه بشق الأنفس من الزوار أو من بعض الأصدقاء. يمضي حسام الى  مكان آخر، مقهى نسكافيه، وأمضي الى "الريد لايتس".

لا يكتمل ليل أمستردام من دون "الريد لايتس"، أو لا ليل في أمستردام بلا ليل "الأضواء الحمر"، أو أنه نصف الليل في أمستردام، والنصف الآخر والأجمل في الريد لايتس.

في مدخل الحي الأحمر، محل لبيع كل أنواع الواقيات الذكرية. برائحة العسل والتفاح والفريز والأفوكادو والموز وحتى الماريغوانا. وفي الواجهة كوندومات عليها أهم معالم أمستردام.
الحي الأحمر أو "الريد ديستريكت" هو قلب الليل في أمستردام. حتى الساهرين في حانات أخرى، وفي طريق عودتهم إلى بيوتهم، لا بد لهم من المرور في أزقة الحي الضيقة، حيث النساء والماريغوانا والهاينيكين، وتلك الوجوه السعيدة التي تنظر بشهوة نحو الفاترينات الحُمر وتلك الأسرّة التي تنتظر أحداً لن يتأخر ابداً.

في أطراف الحي، بارات كبيرة ومطاعم عربية وإسبانية وصينية ومحال صغيرة تبيع كل شيء.. أي كل ما تحتاجه من أجل البقاء في الحي الذي لا تريد أن تغادره أبداً، أو كما يقول حسام:" لا أريد لهذا الليل أن ينتهي".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها