الخميس 2015/02/12

آخر تحديث: 14:20 (بيروت)

أبو عبسي يعود إلى مونو... والقرن التاسع عشر

الخميس 2015/02/12
أبو عبسي يعود إلى مونو... والقرن التاسع عشر
شخصيات جهورية تعبّر بتفاعل قليل مع الآخر وبتركيز على إبراز التباين في ما بينها (تصوير: علي أركادان)
increase حجم الخط decrease
بعد غياب طويل عن المسرح، عاد المسرحي والمخرج اللبناني، زياد أبو عبسي إلى خشبة مسرح مونو بعرض "بيت الدمية" من إخراجه، ونص المسرحي النرويجي هنريك إبسن. العرض الذي بدأ، أمس، حمل النص إلى الجمهور بنسخة مشابهة للأصل إلى حد كبير، إذ تم التعديل على بعض الأسماء والمشاهد، وتُرك النص ليعبّر عن نفسه بصيغته الزمنية. العمل الواقعي الذي أنجزه أبسن في نهاية القرن التاسع عشر، شكّل صدمة في أوروبا في ذلك الوقت، بسبب مساسه بالنظام الاجتماعي القائم حينها، خصوصاً العائلة والمرأة التي لم تكن قد حصلت على مساواتها بالرجل بعد.

 زياد أبو عبسي المعروف بأدواره الشهيرة في مسرح زياد الرحباني، والذي أخرج أكثر من مرة، بعض نصوص شكسبير، قدم وفريقه عرضاً استمرّ ساعة ونصف الساعة، غلب عليه طابع المسرح الكلاسيكي من حيث تقطيع المشاهد إلى فصول، والرؤية الإخراجية المُلتزمة والمحدودة بالنص الحرفي المُؤَسس على التصاعد الدرامي والتشابك الحدثي. كذلك جاء أداء الممثلين على الخشبة، حيث الشخصيات جهورية ومباشرة، تعبّر عن نفسها بتفاعل قليل مع الآخر وبتركيز أكبر على إبراز التباين في ما بينها.

"نورا" - الزوجة الفاتنة، اليافعة وقليلة الخبرة في الحياة، كانت قد أمضت ثماني سنوات في زواجها من زياد الذي يوشك على تسلم منصب كمدير مصرف ليدر الأموال على العائلة. البيت يبدو في بداية العرض هانئاً، تغمره السعادة بوصفه حاضناً لأسرة تقليدية بثلاث أولاد وخادمة، لكنه سيبدأ بالتداعي لحظة وصول "كريستين"، صديقة "نورا" منذ الطفولة، والتي سمعت بترقية زياد فعادت إلى القرية طمعاً بالوظيفة.

وعلى عكس نورا، التي غادرت منزل أهلها إلى الحياة الزوجية مباشرة، فإن كريستين تبدو أكثر خبرةً وحذاقةً، بحكم تجربتها في العمل والاستقلالية. لكن التشابك بين الشخصيات يبدأ بالتعقيد عند قرار زياد، المثقف والمثالي، توظيف كريستين كمحاسبة، طارداً المحامي "كريم"، والذي يتبين لاحقاً أن نورا استدانت منه مئة ألف دولار لتدفع ثمن علاج زوجها من دون أن تخبره. كريم يقرر إخبار زياد بالحقيقة، الأمر الذي يؤدي إلى تصدع العلاقة بين الزوج والزوجة لتتكشف عن عطب جوهري فيها يتجاوز كذب الزوجة وتزويرها بعض الأوراق.

الفكرة الأساسية التي يتمحور حولها نص إبسن، والتي سببت جدلاً واسعاً في أوروبا القرن التاسع عشر، هي علاقة الذكر والأنثى في المؤسسة الزوجية. فنورا التي خرجت من سلطة والدها إلى سلطة الزوج بوصفها امرأة جميلة لا غير، تؤدي الواجبات الزوجية وتكمّل حياة زياد المثالية، يتم استبعادها في المقابل من صناعة القرار وتسيير الحياة في البيت. زياد الزوج لا يكف عن تدليع زوجته بـ"بوبيه" (الكلمة الفرنسية للدمية)، فهي كالدمية شكلاً ووظيفةً بالنسبة له. بعد انشكاف الحقيقة للزوج، تخرج نورا من حالة الخوف التي تملّكتها لعدّة أيام إلى حالة ثورية مُضادة ترفض الواقع الذكوري والأبوي. ومع أن كريم قرر الانكفاء عن فكرة فضح زياد ونورا، فإن نورا تصرّ في نهاية العرض، بعد ما وجهه لها زوجها من إهانات، واصفاً إياها بغير المؤهلة لرعاية أولاده، على القطع مع هذه العلاقة الزوجية والتخلص من وصف الدمية إلى الأبد.

إضافة إلى الممثلة زي خولي، في دور نورا، وباسل ماضي في دور زياد، وحليم شقير في دور كريم، ومرسال جبور في دور كريستينن هناك أيضاً محمد جلول في دور الطبيب - صديق العائلة. الأداء بشكل عام كان مناسباً لطبيعة النص، وتضمن رقصةً تؤديها نورا ومعها زياد والخادمة التي أدت دورها جان دارك حبيب. باستثناء الرقصة الحركية التي عكست داخل نورا المتخبط، سارت وتيرة الأداء على خط واحد منذ بداية العرض إلى آخره، حيث النص المنمق والمليء بالزركشة الكلامية، جعل الشخصيات تثرثر في بعض الأماكن وتكشف عن دواخلها بوضوح وبديهية في أماكن أخرى. الأداء المنضبط جداً والأفقي جعل الجمهور غير واثقٍ من اللحظة التي ينتهي فيها عرض المسرحية.

إذا ما أردنا مقاربته بالواقع الحالي، فإن عرض "بيت الدمية"، الذي ينتمي إلى المسرح الإشكالي، يعالج مشكلة تقع في موضعين: الأول في خارج الزمن المُعاصر، كون المشكلة غير موجودة بهذه المعطيات الاجتماعية القديمة جداً، والثاني في استمرار اضطهاد المرأة في العالم العربي. لكن مشكلة المساواة الزوجية، في الوقت ذاته، قد لا تكون راهنة لدرجة استحضارها من القرن التاسع عشر. فمع تعلم المرأة وتسلّمها مناصب وظيفية مساوية للرجل، أصبحت المساواة تحصيل حاصل إلى حد ما، ومفروضة، وإن بقيت بعض القضايا الأساسية، وأبرزها العُنف الأسري وتشريعات تمييزية في قوانين الجنسية والأحوال الشخصية كما العنف الأسري، إضافة إلى "رعاية" ذلك كله من قبل المؤسسات الدينية.. فلعل هذه هي المشاكل الرئيسة اليوم أكثر من المرأة التي تُعامل كزوجة - دمية.

ولسنا نطالب هنا بأن يأخذ المسرحي على عاتقه مناقشة هذه القضايا ليكون مقبولاً، لكن في حالة نص واقعي يحاول استقصاء المشكلة وكشفها، فإن هذا الواقع يطرح سؤالاً محيراً، لماذا وقع خيار أبو عبسي على هذا النص تحديداً، وفي هذا الوقت؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها