الأربعاء 2015/10/14

آخر تحديث: 16:17 (بيروت)

"ترويقة في بيروت".. لم نشاهدها

الأربعاء 2015/10/14
"ترويقة في بيروت".. لم نشاهدها
ترويقة في بيروت
increase حجم الخط decrease
"إنسوا كل ما شاهدتموه من أفلام لبنانية، وشاهدوا هذا الفيلم!".. بهذه الكلمات تتركنا المخرجة فرح الهاشم قبل بدء عرض فيلمها (كما تصنفه) "ترويقة في بيروت". جملة تحملها مسؤولية تجاه المشاهد، وتجاه المدينة، وتجاه السينما اللبنانية التي نسفتها بجملة واحدة، وتجاه المخرج الراحل مارون بغدادي الذي تهديه الفيلم في البداية. وفي المقابل تشعرك بأنك ستشاهد الفيلم الذي سيقلب موازين السينما اللبنانية في نظرك، ويريك بيروت، كما تقول هي، في شكل لم تره من قبل. فتتحمس لما تعتقد أنك ستراه، وتتأهب لأكثر من ساعة متعة.

يبدأ الفيلم بمشهد لمارون بغدادي يتحدث عن صناعة الأفلام والسينما. من ثم نرى فرح، ونسمع تسجيلاً صوتيا بصوتها تخبرنا فيه عن قصة الفيلم وماذا تريد أن تقدم. وهنا يبدأ الـ One man show . فالفيلم من الألف إلى الياء من كتابتها وإخراجها وتصويرها وتمثيلها ومونتاجها وإنتاجها، وهذا ما تعتبره هي، نقطة قوة للفيلم. ربما الشيء الوحيد الذي لم تفعله لوحدها هو تمثيل الأدوار كلها، وللأسف لم نصل بعد إلى تقنية تمكن الشخص من أداء الأدوار كافة.

بداية، لم يكن يجدر بفرح  أن تعتبر ما قدمته "فيلماً" بما للكلمة من معانٍ وأبعاد. فهو، إذا أردنا أن نتكلم عن التقنيات والجماليات (esthetics) التي يصنع الفيلم على أساسها، والتي ندرسها في الجامعة، بل نقضي سنوات نتخصص في إحدى هذه التقنيات، فإن ما قدمته لا يملك أي تقنية، وهذا تعليق طالبة في سنة أولى إخراج في الجامعة اللبنانية. ساعة وعشر دقائق لم نر خلالها كادراً "فنياً" جميلاً أو على الأقل مريحاً للنظر. تصوير ليس في مستوى طالب سينما سنة أولى، علماً أن هذا مشروع تخرجها من الماسترز من أكاديمية نيويورك للأفلام. نتغاضى عن جمالية التصوير، فماذا عن القواعد الأساسية التي نتعلمها؟ ألا تعرف فرح معنى الـover exposed  أو الـunder exposed؟ وأنها أخطاء غير مقبولة إطلاقاً؟ صراحة لم نر غير هذه الأخطاء معظم الوقت. الأكيد أنها لم تفعل ذلك عن قصد أو من أجل "التفنن" و"جمالية الصورة". ألم تتعلم القاعدة الأساسية في هذه المهنة "اعرف القاعدة قبل كسرها"؟ هذا ولم نتحدث بعد عن رداءة الصوت وعدم قدرتنا على فهم ما يقولون في كثير من الأحيان إلا من خلال قراءة الترجمة، وطبعاً كنا قادرين على رؤية المايكروفون معلق بوضوح.

هذه المسائل حتى الآن تضع ما شاهدنا في خانة "الوثائقي" وليس "الفيلم". ونصل إلى المونتاج والموسيقى التصويرية: ربما لو سمحت فرح لشخص آخر أن يساعدها في المونتاج لاستطاع أن يساعدها في طريقة سردها للقصص وانتقاء جُمل الاشخاص بطريقة تساعدها على أيصل فكرتها للعالم. لكنها فضّلت أن تقوم بكل شيء لوحدها.




في الحديث عن الفكرة، المفترض أن القصة هي عن بيروت، المدينة الجميلة، المتناقضة، التي نعيش فيها ونحبها رغم كل مشاكلها. المفترض أن نراها بطريقة جديدة ومختلفة. لكن ما رأيناه هو مجموعة من الممثلين يروون قصصهم الذاتية وعلاقاتهم الشخصية ببيروت. ولم نر المدينة بشوارعها وأناسها. رأينا فرح وصديقتها ناتاشا تتحدثان وتلهوان في السيارة في شارع الحمرا ذهاباً وإياباً. ورأينا بعض شوارع بيروت. ورأينا شقة ناتاشا، وغرف يجلس فيها ممثوين. ورأينا فرح وناتاشا في رحلة في التلفريك من جونية! ومن يدري ما كنا سنراه أيضاً لو استمر الفيلم بعد؟ وهل تدرك فرح أن بيروت تمتد خارج حدود الحمرا؟

قبل أن يبدأ الفيلم/الوثائقي/التقري،ر تخبرنا فرح قصتها والمصاعب الكثيرة التي مرت بها. تبرر لنا ولنفسها قبل أن نشاهد رداءة ما سنراه بقولها "أنا مخرجة فقيرة". فهل الفقر عيب أو حجة مقنعة لتبرير هكذا مستوى؟ هل هو أمر مقبول أن يبرر مخرج ما أنّ إحدى لقطات فيلمه لم تنجح لأنه صوّر في برد قارس مثلاً؟ أو أنه "أكل تونا" كما فعلت هي خلال التصوير، لأنها لم تملك المال؟ ألم تدرك فرح أن هذه مهنة المشقات وأن صناعة السينما لا تأتي على بساط سحري؟ ألم تستطع شراء ميكروفون لاسلكي بسعر بطاقة سفر إلى نيويورك؟ أو أن تجرب ألّا تستعمل لقطات الهاتف المحمول لتزيد من سوء الجودة التقنية، فتحترم عقول المشاهدين على الأقل؟ وإلا فلماذا لا نكون كلنا مخرجين ونصور أفلاماً كل يوم ونشارك بها في المهرجانات؟

خرج البعض راضياً وسعيداً بما شاهده. فبطبيعة الحال تختلف آراء وخلفيات المشاهدين. لكن مع انتهاء الفيلم، لم نسمع تصفيقاً حاراً، وانهالت الأسئلة والانتقادات لتواجهها فرح بشراسة كبيرة وصدر غير رحب إطلاقاً. حتى أنها أخذت المايكروفون من يد أحد الأشخاص عندما أراد أن يسأل شيئا لم تحب أن تجيب عنه. لم تكن تسمح لأحد أن ينتقد أو يبدي رأيه بصراحة، وعندما تسمع كلمة تعجبها تتمسك بالقائل وتتفاعل معه! ربما استطاع البعض أن يقيموا علاقة بين إحدى القصص التي سردت وقصة حدثت معهم، لكن هذه القصص لا علاقة لها بـ"بيروت".

كان الأجدر بفرح الهاشم أن تغير اسم فيلمها وتجعله شخصياً أكثر، فنفهم أننا سنشاهد فيلماً عنها وعن رفاقها وليس عن بيروت. وربما الأجدر بها في المرات المقبلة أن تخفف من تشبثها بموقفها وتتقبل الآراء المختلفة ولا تنتظر الرضى التام والتصفيق من الجميع. ولو أنها لجأت إلى استعمال كلمة "experimental"، أي المنفذ الذي يستخدمه الكثير من المخرجين للهروب من اللوم، فإن هذا لم ينقذها ويضعها في خانة البراءة. والأهم من ذلك كله، فلتعلم المخرجة العزيزة أنّه في هذا المجال بالتحديد "اليد الواحدة لا تصفق". 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب