الأربعاء 2014/08/13

آخر تحديث: 13:34 (بيروت)

"الفن ميدان": لسّه الأغاني ممكنة

الأربعاء 2014/08/13
"الفن ميدان": لسّه الأغاني ممكنة
الفن ميدان
increase حجم الخط decrease
علت أغاني الشيخ إمام على المسرح، بأداء فريق "الأولة بلدي" تصدح لغزة وأبطالها: "يا فلسطينية والبندقاني رماكو/ بالصهيونية تقتل حمامكو فِ حماكو/ يا فلسطينية وأنا بدي أسافر حداكو/ ناري بإيديا وإيديا تنزل معاكو/ على راس الحية وتموت شريعة هولاكو". أما جمهور الشباب، فقد عاد من جديد مستعيداً زخم احتفالية "الفن الميدان"، في طبعاتها الأولى، حينما نشأت في العام 2011 من رحم ثورة 25 يناير لتحتل ميدان عابدين في السبت الأول من كل شهر، تنشر الفن في الشوارع والميادين، وتردد صدى الثورة بواسطة الفن والابداع.

رفرف العلم الفلسطيني فوق رؤوس المحتشدين، وطاف الشباب في ساحة ميدان عابدين رافعين رايات تحمل وجوه شهداء الثورة، فبدا المشهد كما لو كانت الجموع تستعيد أمجاد الثورة وأطلالها بعدما انقضّ النظام على الوجوه الثورية وصار الناشطون يملأون الزنازين، عملاً بقانون منع التظاهر. ووقفت رنوة يوسف صامدة عند مدخل احتفالية "الفن ميدان"، ترسم معتقلي الثورة الذين طالبوا بإلغاء قانون التظاهر فعلقوا في المعتقلات. علاء عبدالفتاح وماهينور المصري وحمادة النوبي، رسمتهم ريشة الفنانة على خلفية من الزهور، يحدوها الأمل أن "الحرية للحلم" كما عنونت معرضها. وجاءت كلمة الشاعر زين العابدين فؤاد في افتتاح فعاليات الفن ميدان، لتوجز احساسه وتفاعله بهذه الدورة: "لقد جئنا الفن ميدان اليوم بصور الشهداء المرسومة في قلوبنا، ولولا الشهداء لما كنا هنا الآن، وجئنا اليوم كعادتنا لتقييم فننا لأن جراحنا اليوم كبيرة جدًا فهي جراح العالم العربي بأكمله، وشعارنا اليوم "فلسطين.. غزة.. المقاومة.. الحرية.. الفن ميدان".

انتصار على المنع
انتصر فن الميدان رغم كل شيء. حتى وإن بدا انتصاراً صغيراً لكل من ينظر للحدث من بعيد، باعتباره مجرد نجاح لمنظمي الاحتفالية من فنانين ومثقفين مستقلين في إقامة حفلهم الشهري في ساحة عامة في مصر (أمام قصر عابدين)، بعدما كانت فنون الشارع ممنوعة أمنياً قبل الثورة.

لكن بحسابات هذه الأيام، ووسط أجواء المنع والقمع السائدة، يعدّ نجاح "الفن ميدان" انتصاراً كبيراً على أصعدة عدة. ليس فقط لصموده رغم التهديد بإلغائه، حيث قامت أجهزة الأمن التابعة لرئاسة الجمهورية بمنع إقامته في موعده المعتاد في السبت الأول من كل شهر والذي كان مقرراً في 2 آب/أغسطس. وأدى هذا المنع المفاجيء والذي يأتي بعد أكثر من ثلاث سنوات على تقديم الفعالية في ميدان عابدين، كما ورد في تصريح لبسمة الحسيني - عضو مؤسس للفعالية، "إلى تدخل وزير الثقافة جابر عصفور دفاعاً عن أول احتفالية ثقافية أهلية مستقلة تقدم بانتظام في ساحة عامة في مصر"، ونجحت جهود وزير الثقافة في اقناع المسؤولين الأمنيين بالسماح بإقامة الفعالية في مكانها في ميدان عابدين وإن اضطر المنظمون إلى تأجيلها لبضعة أيام.

فقد بدت هذه الضربة القاصمة محفزاً ومنبهاً لجمهور ومحبي "الفن ميدان"، أدركوا أن متنفسهم الوحيد للتعبيرعن طموحات وأحلام الثورة قد بات مهدداً، فعادت إليه الروح الثورية من جديد، تلك الروح التي ميزت الفعالية منذ بداياتها، وكانت تهدف للتعبير عن الثورة في الميدان، وعن الفن أيضاً في الميادين، أليست "الثورة خيالاً" كما كان شعار شباب الثوار في أيامها الأولى؟ بعدما كانت هذه الروح قد خبت وانطفأت في الشهور القليلة الفائتة، منذ أن صار هدف النظام القضاء على وجوه الثورة وكل من عارضوا قانون منع التظاهر، وكان الأصدقاء يلتقون في السبت الأول من الشهر، مصرين على المداومة والاستمرار حتى وإن بدا اليأس على عيونهم، ولسان حالهم يقول: "قد تكون هذه آخر مرة للفن ميدان، بعد مجيء حكم العسكر".

بدت ذريعة الأمن في اعتراضه هذه المرة هي مشاركة الناشط أحمد حرارة في فعالية شهر تموز/يوليو الفائت، وهو أحد الوجوه الثورية بامتياز الذي فقد إحدى عينيه برصاص قناصة الداخلية في 2011، فإذا بوجوه الثورة ترفرف اليوم من جديد، بالغترة أو الكفّية الفلسطينية تلف أكتاف الحضور، في الشارات الصغيرة التي طبعت عليها صورة وكلمات باسم يوسف، أيقونة السخرية اللاذعة من كل هفوات السلطة، وفي صور الشهداء ترفرف على الأعلام، وفي معرض فني يضم الثوار "الجدعان" اللي ما بيحبوش السجن لكن ما بيخافوش منه، كما وصفهم الشاعر زين العابدين فؤاد، وفي كاريكاتير يستعيد رسوم ناجي العلي الذي تمر ذكرى على يد الموساد الاسرائيلي في 27 من الشهر الجاري. 

بدت ساحة عابدين ساحة المقاومة والابداع بعدما ضاق البراح، ليعلو صوت التضامن مع غزة بعدما حالت القوانين من دون التعبير عن الاحتجاج والرفض للعدو الاسرائيلي، وليتجسد حلم الحرية لكل معتقلينا الذين يدفعون اليوم ثمن ثورتهم، وحتى الأولتراس، تلك المجموعات الكروية التي لعبت دوراً مهما في ثورة يناير، وقفوا يرددون أغانيهم التي تزامنت مع محاكمة وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي - أحد رموز نظام مبارك السابق الذي كانت ممارساته أحد أسباب قيام الثورة. تصاعدت أصوات الأولتراس بالغناء: "لفّق لفّق في القضية.. هي دي عادة الداخلية/ ممسوك مكتوبلي إرهابي دولي .. ماسك شمروخ وبغني أهلي". ضاق البراح واستحال "الفن ميدان" ساحة لكل مظلمة، رحيق الثورة والحرية في زمن معاداة الثورات.

الفن ميدان

أكد المنظمون، بعد نهاية الفعالية، على تمسكهم بتنظيم "الفن ميدان" في موعده، السبت الأول من كل شهر، وفي مكانه في القاهرة في ميدان عابدين. كما أكدوا رفضهم لأي محاولة للتدخل في برنامج الفعالية أو الرقابة عليها بأي شكل. "سيبقى الفن ميدان احتفالية ثقافية فنية مستقلة نبتت من ثورة 25 يناير 2011 وتتبنى قيم وأهداف هذه الثورة وتسعى إلى تحقيقها، مثلما تسعى إلى تقديم الثقافة والفنون للجمهور العريض في الميادين والشوارع دون حواجز أو قيود".
increase حجم الخط decrease