الجمعة 2014/06/27

آخر تحديث: 12:47 (بيروت)

"لاجئون مرتين".. فلسطين السورية واللبنانية

الجمعة 2014/06/27
increase حجم الخط decrease
تنظر إليه يبكي، وتخجل عيناها أن تدمع. كيف لدموعها أن تضاهي لحظة إعترافه، لمن يقف خلف عدسة الكاميرا، باستسلامه لليأس والحسرة والمعاناة. هي المرأة الرقيقة الضعيفة والمرهفة، أما هو فرجُل البيت، القوي ذو القدرة القاسية على تحمل الصعاب... هكذا، في غرفة قاتمة يتوسط الزوج وزوجته لقطة المصور محمود خير. يشكلون حلقة من "السلسلة - القصة" في 36 جزءاً، تؤرخ لرحلة اللاجئين الفلسطينيين في محطتهم الثانية، بعد الأولى من فلسطين إلى سوريا، فهم اليوم يكملون الصورة في مخيمات لبنان.

لمناسبة "اليوم العالمي للاجئين"، افتتحت "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (الأونروا)، قبل أيام، معرض صور فوتوغرافية بعنوان "لاجئون مرّتين" في "دار المصور" في الحمرا، لتسليط الضوء على الظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها اللاجئون الفلسطينيون الآتون من سوريا إلى لبنان، وذلك بتمويل من "دائرة التنمية الدولية البريطانية".

ستٌ وثلاثون صورة أبت إلا أن تعترف بما يعيشه هؤلاء. تكلمت تلك الوجوه بعيداً من العناوين الفرعية المصاحبة لإطارات تلك الصور الوثائقية للمصورين محمود خير، كيت بروكس، ميسون مصطفى وكوثر فحص.

"ما زال النزاع الدائر في سوريا يؤثر سلباً في حياة اللاجئين من سوريا، اللاجئون الفلسطينيون خصوصاً عرضة للأخطار، إذ يدمر النزاع بشكل متزايد مخيماتهم في سوريا، كما أن إمكانية خروجهم من سوريا إلى لبنان، والذي بات منفذهم الأخير، لم تعد متاحة، نتيجة للقيود المتزايدة على الحدود اللبنانية-السورية"، بحسب منظمي المعرض. "وقد يكون لاجئو فلسطين، الذين تعرضوا للإفقار والصدمة، آمنين من الخطر حالياً، إلا أنهم يواجهون صعوبات جمة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والتي تعاني أصلاً التهميش والإكتظاظ. تقدم الأونروا خدمات التعليم والرعاية الصحية، إضافة إلى معونة نقدية متواضعة وإستشارات قانونية، إلا أن ظروف العيش الصعبة، وتأثير القيود المفروضة على حريتهم والعملية الروتينية المضنية لتسجيلهم كلاجئين، تضعهم أمام تحديات كثيرة. تعطي هذه الصورة لمحة عن خسارتهم وعن الكرامة التي يصرون على الاحتفاظ بها".

بتلك الكلمات، يلخص منظمو المعرض الفكرة الأساس لإنجاز هذا التوثيق الفوتوغرافي في مخيمات لبنان، من مخيم المرج في البقاع، إلى الراشدية في صور وشاتيلا وبرج البراجنة في بيروت، وصولاً إلى البداوي في الشمال. 

في مخيمات لبنان، حيث يعيش أكثر من 400 ألف لاجئ فلسطيني، يعاني هؤلاء اللاجئين "الجدد"مما عاناه مواطنوهم في لبنان منذ عقود، لجهة ظروف العيش في المخيمات، مضافة إليها صعوبات الفرار من العنف الدائر في سوريا والتضييق عليهم في لبنان. ضغط نفسي قاسٍ يُفرض على حيواتهم البسيطة.

يخضع الفلسطينيون السوريون الآن للقوانين التمييزية ذاتها التي يعانيها فلسطينيو لبنان، بذريعة مكافحة التوطين، كمنعهم من فرص عمل في مجالات شتى وحقوق مدنية أخرى. وليس كلام المرأة في إحدى صور كيت بروكس، والذي كتب قرب الصورة، سوى دليل على ذلك: "في سوريا كان زوجي محامياً، وصهري أستاذ لغة إنكليزية، وصهري الثاني مهندس ميكانيكي، لكن أياً منهم لم يجد عملًا هنا".

صورة أخرى لبروكس قد تكون مثالية لتوصيف حال اللاجئين: عائلة يظهر منها في الصورة خمسة أشخاص. بعضهم جالس، ينظر في عين الكاميرا، غير عابئ بإحراج مفترض من فقر الحال في "بيت" مؤلف من غرفة واحدة جدرانها بالية أكلتها الرطوبة، ويقاطع قدمها حائط حديث الصنع- الأرجح أنه استحدث لفصل الغرفة عن حمّام مفترض. البعض الآخر يهرب من الصورة، أو بالأحرى يتجاهل عين الكاميرا، وربما يهرب منها. غرفتهم هي، في الوقت ذاته، مطبخ وصالون وغرفة نوم، فيها ما لا يقل عن ثماني "فرش" معدة للمنامة، وحبل غسيل ممتد، وخزانة وشباك. ستارة بيضاء يتيمة، تعكس الضوء، وتذكر براية استسلام لأامر الواقع.

ليس في تلك الغرفة سوى أمل واحد تمثل في الصبي الذي يكون نفسه فحسب، طفل بكل بساطة. بعيد من بيته في مخيم النيرب - شرقي حلب، إلا أن الطفولة تهزم المأساة، فها هو يمازح العدسة، بوجه مفاجئ ويدين أرادتا رسم علامة فارقة ومبتسمة قبل أن يقفل مصراع الكاميرا. قد يكون ورث تفاؤله عن أمه التي تقول "إن المكان الذي نعيش فيه يعدّ قصراً"، بالمقارنة مع بقية عائلتها النازجة من مخيم النيرب، إذ يتشارك عشرة من أقاربها غرفة واحدة.
 
تذكر الصور هنا بسلسلة لوحات "رحلة سعيدة" للفنان السوري تمام عزام، الذي جسد كل مواطن سوري يحمل تاريخه وذكرياته في خرائب الأبنية بعد القصف، وما زال يسميها بيته. يطير بمساعدة البالونات من مكان إلى آخر، من دون أن يحط على أرض ثابتة أو أن يجد الاستقرار. تلك هي حال "اللاجئين مرتين"، من فلسطين إلى سوريا ومن سوريا إلى لبنان، ويحلقون في فضاءات تضيق عليهم.

يستمر المعرض حتى الثالث من تموز/يوليو المقبل. من الإثنين إلى الجمعة، من العاشرة صباحاً حتى السادسة مساء.
increase حجم الخط decrease