ما يدور منذ ثلاث سنوات، في أحد وجوهه السيئة والأشدّ ظلماً، أنه وجد في سورية أرضاً تصلح ساحة حرب متعدّدة الجبهات. فسورية بموقعها الاستراتيجي المميّز، حدودها تلاصق دولاً مرشّحة لمتغيرات لا ينبغي أن تفلت من حسابات الدول الكبرى، ودولة إسرائيل التي يجب أن تنعم بالأمان المطلق، بموجب منطق هذه الدول، يملي دمار جيرانها.
منذ الأشهر الأولى، أعلنت الدول المعنية بما يجري، أنها لن تتدخّل عسكرياً. حتى أن النظام نفسه، صرّح أنه لن يستخدم الجيش في قمع التظاهرات. كما أن حزب الله جهر بأنه لن يرسل مقاوميه إلى سورية، لدى النظام فائض من القوة، وليس بحاجة لطلب المساعدة من الحلفاء الممانعين. كذلك الإيرانيون زعموا أنهم يسعون بالمشاورة مع النظام لإيجاد حلّ يرضي الشعب السوري.
في تلك الأيام وُجّه الاتهام للمعارضة بطلب التدخل العسكري من الأمريكان والأوربيين، مع العلم أن المعارضة نفت الاتهام جملة وتفصيلاً للتدليل على وطنيتها، ولئلا يخالط القومجيون الظنّ أنهم سارعوا إلى عدوّهم القديم طلباً لنجدة الثورة. بينما تجلّى دعم الغرب بتشجيع المتظاهرين على الصمود واحتلال الساحات، وهدّدوا النظام بالعقوبات تعجيلاً برحيله، وزار السفير الأمريكي حماة ليسبغ رعايته على الانتفاضة السورية التي بلغت أجمل أعراسها في حماة وحمص. باعتقاده أن النصر قريب، والمستحسن أن يكون الأمريكان على موعد مع التاريخ الذاهبة إليه البلاد. ومثلهم الفرنسيون سليلو الثورة الفرنسية، بالغوا في إعلاء أصواتهم، ولم يقصّر البريطانيون عنهم.
غير أن النظام باستعمال القوة وادخال الجيش في معركة غير متكافئة مع متظاهرين عزّل، أحرج دول الغرب الديمقراطي، ما اضطره إلى أن يختطّ بديلاً عن الجعجعة الفارغة، والبدء بعقوبات اقتصادية أصابت الأفراد أكثر مما أصابت النظام، فالغلاء وانخفاض الليرة، وارتفاع الدولار، انعكس على الشعب السوري في لقمة عيشه، بينما شمت النظام بالشعب والغرب معاً. فالإيرانيون زوّدوه بالعملة الصعبة، ومثلهم الروس بالسلاح. ليس من دون مقابل، أصبح القرار السوري مرتهناً لإيران وروسيا.
لم يسكت الأمريكان على الانحياز السافر للروس والإيرانيين، فأطلق الرئيس الأمريكي سلسلة من التهديدات، ترافق كل تهديد منها بخط أحمر، كان ارتدادها على السوريين كارثة، إذ الخطّ الأحمر يسمح بما دونه، ولم يكن سوى القتل، الخطوط الحمراء لا تتفاوت إلا بكميات القتل. اضطر أوباما إلى أن يحدّد خطاً أحمر أخيراً؛ السلاح الكيميائي، سرعان ما خرقه النظام، فسارع الروس إلى ترضيتهم بنزعه، فعدّه أوباما انتصاراً. بالنسبة للنظام كان انتصاراً ما بعده انتصار، بتخلّصه من التهديدات الحمراء، وإن كانت غير فعالة، وأصبحت جميع الوسائل مسموحة. وبهذا أقفل الأمريكان موضوع التدخل العسكري غير الوارد أصلاً، لكن المعارضة ظلّت متّهمة به.
لم يقف الغرب صامتاً، حذّر من تدخل حزب الله وتوافد المليشيات العراقية المذهبية، ومثلهم قدوم الجماعات الجهادية من بلدان المنطقة وأوربا والشيشان، وفي الوقت نفسه غضّ النظر عنهم، ولم يتّخذ أية إجراءات، سواء المنع أو الإدانة. وتركت سورية مفتوحة على حرب أهلية ومذهبية.
إصرار المجتمع الدولي على فكرة أن الحلّ في سورية سياسي وليس عسكرياً، فكرة باطلة وكاذبة، لا تفيد إلا في إطالة عذابات السوريين، وإطالة حرب أصبح للكثيرين المصلحة في ألا تنتهي، طالما المموّلون يغطّون تكاليفها المادية، والسوريون يسهمون بالضحايا والنازحين. لا يمكن إنهاء الحرب إلا بالحلّ العسكري. مثلما أن الحلّ السياسي، هو بالضرورة عسكري، إن لم تدعمه القوة، لن يتحقّق على الأرض.
اليوم نقول ولو متأخرين، كان بإمكان الدول الكبرى والصغرى، المجاورة والبعيدة، الصديقة وغير الصديقة، أن يكون تدخّلهم مشرفاً، إنسانياً وأخلاقياً. فالإيرانون والروس، كان بوسعهم أن ينصحوا النظام بتقبّل فكرة الإصلاح، بدل أن يشجّعوه على القتل، لن نلومهم، هذه خبراتهم. وكان بوسع الأوروبيين والأمريكان أن يكونوا أوفياء لما يزعمونه، لن نلومهم، اعتادوا المماطلة والكذب.
لدى الجميع الدواعي الحقيقية، ليوفّر هذه الآلام وهذا الموت، والتشرّد في أرجاء العالم؛ السوريون لم يطالبوا إلا بالحرية والكرامة.