الإثنين 2014/04/21

آخر تحديث: 09:06 (بيروت)

حسن خان: الشغف بالأشياء

الإثنين 2014/04/21
حسن خان: الشغف بالأشياء
الدرابزين المفضي إلى فراغ (تصوير: مصطفى عبدالعاطي)
increase حجم الخط decrease
 بعد 11 عاماً على عرض أعماله في عواصم أوروبية مختلفة، يقدم الفنان حسن خان معرضاً فردياً في "ممر كوداك" بشارع عدلي، المعروف بوسط البلد (حتى 26 نيسان/ابريل الجاري). طيرت إدارة مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة (دي كاف) هذا الخبر عبر "كتيبة" من الشباب المتحمس الذي انتشر في أرجاء قلب العاصمة وصفحات التواصل، ليثير فضول المتابعين لعروض الشارع والمسرح والغناء والتشكيل والفيديو، التي يحتضنها المهرجان منذ سنوات ثلاث، فضلا عن جمهور الفن التشكيلي الذي يعرف حسن خان كأحد الأسماء اللامعة في اللقاءات الفنية العالمية خارج حدود بلاده.

ظهر حسن خان مع مجموعة من فناني مرحلة التسعينات، الذين تمردوا على الأشكال الفنية القديمة، مقدمين  لغة بصرية مغايرة على أساس العمل المركّب من الفيديو آرت والفن الأدائي. وكان انشغال خان بالفيديو والصوتيات على وجه الخصوص. رفضت المؤسسة الثقافية الرسمية الإعتراف بهذا الفن الجديد، الذي سرعان ما عرف طريقه إلى "البيناليات" والمعارض الدولية، حيث عرض خان أعماله في قاعة "شانتال كروسال" بباريس، وشارك في العديد من التظاهرات مثل "دوكيمنتا" و"بينالي صولت" في تركيا، كما دعي لرئاسة تحكيم "بينالي فنيسيا الدولي". 
 
 واليوم، من الممكن وصف حدث وسط البلد بالمعرض الاستعادي، ليس فقط بمعنى التراكم الزمني، طوال عشر سنوات، التي لم يطل فيها الفنان سوى في معارض جماعية، بل أيضاً بمعنى "استعادة" حضور الفنان في موطنه، حيث يقدم عمله في أفضل الظروف المحلية.
بدت المساحة الضخمة التي خصصها المهرجان لأعمال حسن خان معبرة عن توجه واضح نحو اكتشاف فضاءات جديدة للتفاعل مع الجمهور، وذلك، بالإنطلاق من تجاور الفنون المعاصرة جنباً إلى جنب. إذ يُربط بين التجهيز والنص الأدبي، السمعي والبصري، انشغالاً بفكرة المدينة وتحولاتها، وكيفية تفاعل الفنان مع ملامحها المتبدلة.

HALL-A-The-Knot-(2012)-at-the-opening-Photo-by-Mostafa-Abd-El-Aty-(1).jpg
  تجهيز "العقدة"
 
 لكن، اللافت أن خان لم يكتفِ بالأعمال التجريبية المعتمدة على الموسيقى الشعبية، والفيديو، وإعادة بناء الصوتيات، بل أظهر ميلاً إلى تشبيك الأعمال مع بعضها البعض، ودفعها إلى الحوار المتبادل. يُضاف إلى ذلك، أن رغبته في التواصل مع الجمهور، قد  ظهرت جليةً في أكثر من عمل، مثلما هي الحال في الفيديو الذي يصور مشروع نفذه الفنان في حجرة من الزجاج، يجلس الجمهور خلفها، مستمعاً إلى حديث، من الممكن الوقوف على محتواه المنشور في كتاب حاضر على مقربة من الفيديو المعروض. يحمل هذا العمل عنوان "17 وفي الجامعة الأميركية"، طارحاً سؤال التواصل عبر العائق الزجاجي، بين الحاضرين من جهة، وبينهم وبين الفنان من جهة أخرى. أما الكتاب الذي ضم بين دفتيه الحديث الذي دار داخل الغرفة الزجاجية، فهو نص أدبي يحمل أفكاراً وخواطر وتأملات، مكتوبة بلا أي علامات ترقيم، كما لو أنها تيار من الوعي المتدفق، يسعى الفنان إلى توريط القارئ فيه.

وفي قاعة ثانية، يتصدر الساحة تجهيز في الفراغ، وهو على شكل درابزين لسلّم نحاسي ثمين، على أرضية من الباركيه اللامع، استوحاها الفنان من درابزين "بنك مصر"، لكنها هنا درجات لا تفضي إلى شيء، كما لوكانت معلقة بين السماء والأرض. تقف الدرجات المعلقة في صدر القاعة في مشهد متحفي تدعو المشاهد لإعمال خياله فهل تعليقها في الفراغ بمثابة إشارة إلى بناء طبقي إجتماعي، أو صدى الحديث عن غياب العدالة الإجتماعية؟ ربما، هي علامة على رفض التراتبية، والدرجات التي تحكم المؤسسات، وقد يكون هذا الإحتمال هو الأقرب لوجهة نظرة خان، الذي يميل إلى تجاوز الهيكل الثابت. 
 
أما عن التواصل الفعلي مع الجمهور، فيفسر خان تجميع هذا الكم المتنوع من الأعمال، بأنها تشكل في مجملها باب الدخول إلى عالمه، بحيث تتراوح دلالاتها بين بُعدها أو قربها من المتلقي. فمنها ما هو مباشر، كالنص الأدبي "محمود الأنصاري" (صورة للشاب العصري)، أو تجهيز "الجوهرة" الذي يعالج موضوعة الموسيقى الشعبية بشكل تجريبي. ومنها ما هو أكثر تعقيداً، كتجهيز السلّم على سبيل المثال لا الحصر. 

C-(1).jpg
 من مجموعة "حروف الأبجدية"
 
لكن، أين تكمن نقطة البداية في هذا المعرض الإستعادي؟ رداً على هذا الإستفهام، يقول خان أن البداية هي "الشغف بالأشياء". إذ أن المصادر، التي تنتج الأعمال عنها، تختلف بين ظرف وآخر، إذ قد تكون حلماً، أو درابزين، أو سور شرفة في الاسكندرية إلخ. لكن، هذا الإختلاف في المصادر، لا يمنع تحولها إلى رسوم أو نصوص أو تجهيزات. فجميع الطرق تؤدي بسالكها للوصول إلى عالم الفنان الداخلي، حيث تصير الأحلام أشكالاً، وحيث لا تخضع الأفكار سوى للصدفة. هذا، ما عبّر عنه فيديو "رسوم بيانية"،  الذي يقتفي خان داخله أثر النقطة، وتشكلاتها اللامتناهية، محاولاً القبض على بزوغ الحلم واختفائه. 
 
أما في عمله، المعنون "حروف الأبجدية"(2006)، الذي عرضه خان في إطار مشروع "قاعة القراءة"، فقد قدم فيه كتاباً فوتوغرافياً، يحمل حروف الأبجدية مصحوبة بلوحات مصورة. علماً، أن الصورة لم تكن على علاقة مباشرة بالحرف، بل منشورة على أساس العفوية والتداعي. إذ يقابل حرف الـ"ك" حجرة سفرة، قد تحيل ربما لمفهوم "الكيتش"، بينما يقابل حرف الـ"سي" فتى تتقدمه قبضة يده، كأنها مرآة تعكس طفولة الفنان، وماضيه، الذي استخدمه في تحويل أحلامه إلى أعمال فنية، كأنه يعيد ابتكارها من جديد.  
 
increase حجم الخط decrease