الخميس 2014/10/09

آخر تحديث: 12:53 (بيروت)

إدوارد سعيد خارج "ربيعنا" العربي!

الخميس 2014/10/09
increase حجم الخط decrease

 يحتج الزميل يزن الحاج على "نبش" إدوارد سعيد من قبره لتحميله مناصرة الربيع العربي "ربيعنا". ويكتب: "لقد نبشوا إدوارد سعيد الكاره لمعظم الأنظمة العربية وأغفلوا معارضته الصارمة للمركزية الأوروبية، والأمركة، والغزو والزيف بأشكاله". يطلق الحاج بعبارته تلك أحكاماً مطلقة هنا وهناك بلا أدنى جهد في البحث والقراءة والاطلاع. من غير المنطقي أن يتهم الثوري أو المنادي بالحرية بمحاباته لسياسات الولايات المتحدة الأميركية حتى وإن ترابطت مصالحه معها. بل ربما فات الحاج أن نشطاء الثورة غير راضين عن سياسة الولايات المتحدة "المتواطئة" مع سياسات أنظمة القمع في سورية مدعومة بإيران و"حزب الله". ربما فاته أن الولايات المتحدة حتى الآن لم تتخذ بشكل جدي قرار ضرب "داعش" في سورية، وثمة شكوك في الأسباب الفعلية للتورط الأميركي في سورية بعد سكوت لسنوات عن "البراميل المتفجرة" ومجزرة الكيماوي. أميركا بذلك تنفذ خطط نظام الأسد وإيران في إبعاد خطر "داعش" وإكمال تدمير سورية وتطويع المناطق الثائرة والاستئثار بالحكم.


مثلما يقوم الثوريون بـ"نبش" إدوارد سعيد، يزن الحاج أيضاً يردّ عليهم بـ"نبش" من نوع آخر مفترضاً أنه أكثر معرفة بالمفكر الفلسطيني الكبير وأنه على تواصل معه روحياً بحيث يسمح لنفسه الادعاء بأن إدوارد سعيد بريء من إلباسه ثوب الثورة العربية أو "ربيعهم" أو الأحداث السورية كما يسميها الحاج.


ثم من قال إن معاداة إدوارد سعيد للأمركة، كانت ستحول دون وقوفه إلى جانب "ربيعنا" العربي؟ هل مازال الكاتب الحاج أسيراً لنظرية أن كل معاد لأميركا هو بالضرورة معاد للثورات العربية؟ مهما كان الشكل الذي اتخذته تلك الثورات بعد محاصرتها لثلاث سنوات ونصف السنة وقمعها وقتلها واقتلاع أعينها وحناجرها، هي في البداية وفي النهاية ثورات قامت ضد القمع والقهر وطلباً للحرية والديمقراطية والمواطنة. ما مشكلة بعض الكتاب مع الحرية؟ هل يحلو للبعض العيش تحت حكم العسكر  و"الممانعة" و"المقاومة"؟ هل فعلاً يعيشون تحت معايير أنظمة "المقاومة" وهامش "الحرية" و"الديمقراطية" الموجود فيها؟


أما إن كان يرمز الكاتب لـ"داعش" فلا داعي للتذكير بموقف معظم المعارضين والمفكرين والمثقفين والنشطاء بـ"داعش". لا داعي لتذكير الكاتب بالعمليات العديدة التي قامت بها المعارضة المعتدلة ضد التنظيم الإرهابي. لا داعي لتذكيره بأن نظام الأسد استنجد بالولايات المتحدة الأميركية لقتال "داعش". هل يذكر الكاتب كيف طلب نظام الأسد "الممانع" التحالف مع القوات الأميركية في الحرب ضد عدوهما المشترك "داعش"؟ يتحدثون عن "السيادة الوطنية" ومقاومة "المؤامرة الإمبريالية" وأن الثورة السورية جزء من "المؤامرة"، بينما المقاتلات وطائرات الاستطلاع من أميركا والدول "المتآمرة" على "الممانعة" لاتفارق سماء سورية. يبدو أن هناك داعياً لتذكيره لأنه لا يقرأ ربما أو لا يحب أن يقرأ.


بالعودة إلى "نبش" المفكر الراحل إدوارد سعيد وغيره من المبدعين العرب الراحلين، لا يصحّ نقد النبش بنبش آخر. الأمر الآخر الذي يفوت العديدين هو أن كتابات هؤلاء العظماء وما تركوه من أفكار وقيم ومبادئ لا يمكن أن ينفصل عن دواخلهم وآرائهم الشخصية بما يحدث حولهم. يمكننا تخيل إدوارد سعيد يغمض عينيه أمام مشهد ذبح "داعش" لصحافي أجنبي أو لمواطن سوري، لكن لا يمكننا أن نتخيله يتفرج على قصف دوما أو جوبر أو الغوطة أو أي منطقة ثائرة أخرى. كيف يمكن لإدوارد سعيد صاحب "صور المثقف" وكتب أخرى كثيرة، أن يساند نظام "الأسد" في حربه ضد شعبه؟ هل كان سيكتب كتاباً في مديح "الكيماوي" مثلاً؟ أم سيرسل برقية شكر للرئيس السوري على ممارسات شبيحته بحق الأبرياء في السجون والقرى والمدن السورية. هل كان سيتنفس رائحة الأجساد المتعفنة في أقبية السجون غير عابئ بمصيرها؟


ليس استحضار إدوارد سعيد "نبشاً" له، بل جزءاً لا يتجزأ من شخصية المفكر ومبادئه وضميره. نقد "النبش" ليس سوى اتكاء على مفكر كبير لتمرير القمع و"شرعنة" المجازر التي ترتكب كل ثانية بحق السوريين. و"شرعنة" العنف والموت لا تتجزأ. من يسمح لنفسه بتبرير جرائم النظام السوري، عليه أن يصمت عن جرائم "داعش"، الإجرام لا يتجزأ.  


"ومن أكثر المناورات الفكرية كلّها خسّة، التحدث بعجرفة عن انتهاكات في مجتمع الغير وتبرير الممارسات ذاتها تماماً في مجتمع المرء نفسه. وفي رأيي أن المثل النموذجي على ذلك يأتينا من المثقف الفرنسي اللامع في القرن التاسع عشر أليكسيس دو تو كفيل. فبعد أن كتب تقييمه للديمقراطية في أميركا وانتقد المعاملة الأميركية السيئة للهنود والعبيد السود، كان عليه أن يتعاطى لاحقاً مع السياسات الاستعمارية الفرنسية في الجزائر (...) وفجأة، كما يقرأ المرء في كتابات دو تو كفيل عن الجزائر، نجد أن القواعد ذاتها التي اعتمدها في احتجاجه إنسانياً على ارتكاب الأميركيين أعمالاً محظورة قد تمّ تجاهلها مؤقتاً لمصلحة الاستعمار الفرنسي"، من كتاب "صور المثقف".

 

 

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها