السبت 2013/04/06

آخر تحديث: 09:58 (بيروت)

شعر صلاح ستيتية: قراءات بصريّة

السبت 2013/04/06
شعر صلاح ستيتية: قراءات بصريّة
increase حجم الخط decrease
 يحتفي متحف بول فاليري في مدينة سيت (فرنسا) بالشاعر اللبناني الفرنكوفوني صلاح ستيتية. وفي داخل المتحف تتوزع أعمال ستيتية الشعرية التي أنجزها بالتعاون مع أكثر من مائة فنان معاصر من العالم. قصائد ولوحات ومنحوتات ومنجزات تشكيلية أخرى، ترافقها أجزاء من السير الذاتية لهؤلاء الفنانين وفيديو يلخص لمشوار ستيتية في الشعر بين لبنان وفرنسا وعلاقاته مع كبار الشعراء الفرنسيين كرينيه شار، جاك دوبان، أيف بونفوا وغيرهم. 
الاحتفاء يتجاوز في أهميته مسألة تكريم النص الشعري وحده. فالشاعر الذي عمل مع أكثر من مائة فنان معاصر، منتجاً حوالي مائة وخمسين كتاباً (موزعة في أرجاء المعرض)، يفتح في هذا الجزء الخاص من سيرته، البابَ أمام إشكاليات تتعلق بشروط النص الشعري، ونشاط اللغة وإمكانيات الصورة والمجاز لاستدراج أسماء تشكيلية والشراكة معها. ومما يسهم في استيلاد هذه الإشكاليات، خلاصة مفادها أن الشعر اليوم، وبشكل عام، يريد الخطو إلى الأمام، لكن قدماه مكسورتان، وهو بطيء جداً، ولا يلتفت إلى أن أي فن آخر – ربما - لا يملك الوقت لحمله حيثما أراد، والشعر اليوم إما أن يتريث ويتعلم، وإما أن يذوي وهو يمشي ويذوب قبل أن يصل. 
وقصيدة ستيتية، بما تحمله من تاريخ ومسار من التدرج في التطور، تشبه دورة حياة تفاعلت مع أنماط شعرية أوروبية وفي المقابل ألقت إليها بملامح مجددة، وهي بذلك جربت في اللغة والصورة والسياق الشعري. قاربت أحياناً الكلاسيك الفرنسي وأحياناً أخرى صبّت في النثري الحديث أو الجديد. وبالنظر إلى مدى اختلاف أساليب الفنانين الذين تعاونوا مع ستيتية، وواقع أن لكل منهم اتجاهه ولغته في التعبيرية أو التجريدية أو الرمزية أو حتى الكاليغراف، نُحال بطريقة غير مباشرة إلى خصوصية قصيدته، وتعدد أوجهها وبالتالي مرونتها. في المقابل، فإن اشتغال ستيتية في النظرية الشعرية أو الدراسة أو الترجمة وانكفاءه داخل نصه، وصله بقنوات شابة، متحمسة، لم تخف بدورها من تقاسم تجربة ما مع شاعر كبير. وبلا شك فإن كل تفاعل بين الشعر وفن آخر، يستحضر إلى الشعر (المتعطش بطبيعة الحال) عوامل مجددة ومطوِّرة ويفتح باتجاه مساءلات نقدية أو محاولات لإخراج النص بزيّ مختلف. يضاف إلى ذلك أن أغلب الفنانين مروا على ستيتية من خلال ناشر أعماله (ما يدل على أهمية الدور الذي يتبناه الناشر من خلال اقتراح أشكال مطبوعة سرعان ما تصبح أعمالاً فنية قيمة) وبعضهم اتصل به مباشرة عارضاً للشراكة معه (من بينهم فنانة تشكيلية شابة، كانت في الخامسة والعشرين من العمر، ولم تكن قد تخرجت بعد، وقبل ستيتية التعاون معها) ثم هناك من اختلف مع ستيتية على الرؤية الاسلوبية فانفرطت الشراكة بينهما إثر ذلك. 
هناك إذن مجهود فكري من كلا الطرفين، وحوار قائم بين الشاعر ورؤيته وبين الفنان التشكيلي ومحتوى عمله، أي أن ما يقدم بعد ذلك للقارئ، هو خلاصة نشاط مضاعف لدى كل من الشاعر والفنان. ومهما بلغت قيمة الشاعر أو تجربته من عمق، فإن مرونته في فتح مصاريع نصه على قراءات تشكيلية ومشاركات مع فن بصريٍ ما، تغذّي النص بأبعاد مضاعفة، وتضيف إلى المعنى وتشدّ المحتوى وتفتح باب التأويل المبني ليس على النص وحده، بل على جديلة من جماليتين ذات مصدرين مختلفين. والنص الشعري عموماً، مدعو اليوم للتفاعل مع الأساليب الجديدة في الفن، ولأن يغدو جزءاً من المقاربات الفكرية والمفاهيمية في الفنون العصرية، التي تستقطب شباباً، وتكشف عن ديناميكية ونشاطٍ يتفوق – وعلينا التسليم بذلك – على نشاط العديد من الشعراء. فإخراج القصيدة بالمواد المقتصرة على الحبر والورق والغلاف، يسهم في إبقاء فكرة الشعر في الخلف، وفي تأطير طريقة تقديمه إلى الناس، وبالتالي الحد من حيويته في العالم المتسارع بصرياً والمتقدم تكنولوجياً وفنياً.  
 
 
 
increase حجم الخط decrease