الخميس 2013/02/28

آخر تحديث: 03:46 (بيروت)

الكتب وقراءتها: إلكترونياً / ورقيا

الخميس 2013/02/28
increase حجم الخط decrease
 قبل ثلاث سنوات، مع ظهور الآيباد تحديداً، بدأ قسم لا يُستهان به من القرّاء بالتوجه إلى الكتب الإلكترونية تاركين كتبهم «الحقيقية» على الرفوف لتكتفي بوظيفة «ديكورية». وإن لم يبدأ الأمر تماماً مع جهازُ شركة آبل الثوري، فقد سبقته إليه شركة أمازون بمنتجها كيندل في ٢٠٠٧، والمخصّص للقراءة. كما أن فكرة قراءة الكتب الإلكترونية أساساً بدأت بالتطور والحلول محلّ القراءة المألوفة للكتب منذ زمن عبر شاشة الكمبيوتر المكعبيّة، فاللابتوب، فالجهاز اللوحي (تابليت)، والصحيح أن الفكرة لم تتبلور كمرحلة انتقالية جادّة في كيفية القراءة عند الناس إلا مع ظهور الآيباد.
مؤخّراً صار بالإمكان رؤية عدة أجهزة لوحية في المحال الالكترونية، المحال التي لا علاقة لها بالكتب والقراءة والثقافة إجمالاً، من سامسونغ إلى سوني إلى آبل التي أنتجت حديثاً آيباد- ميني، بحجم كتب القطع المتوسط تقريباً والأنسب من سابقه كجهاز للقراءة. إلا أنها جميعها ليست مكرّسة للقراءة الالكترونية، بل لعلّ هذه الميزة، أو هذا التطبيق، يعدّ من آخر هموم الشركات المنتِجة، وهي شركات معنيّة بالاتّصال وتكريس التكنولوجيا لكافة أشكاله، من التلفون إلى الأنترنت بكل التطبيقات الممكنة وغير الممكنة حتى..
في المكتبات كذلك، صار بالإمكان رؤية أجهزة لوحية، لعلّ أبرزها هنا أجهزة كيندل كونها مكرّسة للقراءة. صار هنالك أرفف خاصة لأجهزة الكترونية كهذه بين رفوف الكتب في المكتبات. أي أن هذه الأجهزة أتت إلى عقر دار الكتب المطبوعة واحتلّت جزءاً من رفوفها. شركة أمازون تأسّست على بيع الكتب إلكترونياً، الكتب المطبوعة التي تُشترى ببطاقات الائتمان عبر موقعها الإلكتروني لترسلها عبر البريد إلى مشتريها، هذا قبل تفشّي الكتب الإلكترونية. فحتى زيارة المكتبات التي باتت الآن مجبرة على استقبال ألواح الكترونية بين رفوفها، خضعت لتهديدات أمازون التي توصل الكتاب إلى بيت القارئ، فتحدّ من ممارسة وثقافة التجول في المكتبات والمرور بالعديد من الكتب قبل اختيار أحدها لاقتنائه. مع أمازون أصبح الكتاب سلعة خاضعة لمنطق الشراء بالفيزا عبر الشاشة الصغيرة، ومعها أُغلقت العديد من المكتبات.
هل تنطبق الفكرة ذاتها على الكتابة؟ كانت المقالات تُكتب قبل زمن على الآلة الكاتبة المكرسة للكتابة وفقط الكتابة، أو بالقلم طبعاً والذي أُوجد أول ما وُجد في هذا الكون للكتابة. الأمر اختلف منذ سنين، فكثير من الكتابات (أو معظمها) تُنجز وتُحرّر الآن بالنقر على لوح المفاتيح. ليس لوح الآلة الكاتبة المصنوعة لهذه الغاية، بل لوح الكمبيوتر المصنوع لألف غاية قد تكون إحداها الكتابة. أحكي ذلك بكل أسف كون الكتابة والقراءة يخسران شيئاً فشيئاً الأدوات المكرّسة لهما. أقول بكل أسف لأني بتّ ممن تتعب أصابعهم بعد السطر الخامس كتابةً بالقلم، رغم أن الأصابع ذاتها لا يتعبها النقر على الكيبورد حتى الصباح.
القراءة كذلك مهدّدة بخسارة «الأداة» المكرسة لها، أي الكتاب (وحتى الصحف والمجلات). صارت القراءة ممارسة ملحقة بأجهزة لا تُعنى كثيراً بها. التطبيقات المكرّسة لقراءة الكتب الإلكترونية أو كتب الـ "بي دي إف" صارت في آخر اللائحة أمام تفشي تطبيقات ترفيهية، كشبكات التواصل الاجتماعي: فيسبوك وتويتر وواتس- أب وغيرها.
لست هنا للحكم أيهما أفضل، قراءة الكتب عبر الأجهزة اللوحية أو الـ (إي- ريدر) أو من الكتاب المطبوع. البعض يفضّل الهروب من الورق، من الغبار الذي لا بد من نفضه عن الكتب (شخصياً أستمتع بذلك)، من العبء الذي يشكله حجم ووزن الكتاب في الحقيبة أو حتى في الصناديق إن قرّر أحد الانتقال أو السفر. هنالك من يفضل أن يحوي كل ما يخّصه في جهاز لوحي خفيف ورقيق وبجودة شاشة إتش دي وبكل ما توفره هذه الأجهزة من مغريات تقنية للقارئ، طبعاً عدا تطبيقات الألعاب وتصفّح الأنترنت وفيسبوك ولائحة لا تنتهي من الميزات، لن ألوم أحداً على ذلك.
إلا أني شخصياً، إن سمحت لنفسي بالإدلاء بما قد أتشاركه مع آخرين، وإن تعوّدت ومن ثم أُجبرت على الكتابة عبر الكيبورد، إلا أني لم أصل إلى المرحلة التي سأفضّل فيها قراءة الكتب عبر الشاشة، وأتمنى ألا أصلها. لن أتقبّل بسهولة القراءة فقط عبر جهاز مكرّس لألف وظيفة من بينها القراءة، الجهاز الذي قد تموت بطاريته فينطفئ وتنقطع قراءتي لأسباب كهرو- الكترونية، أو أن تقفز لي النوتيفيكيشن بين لحظة وأخرى: تعليق في فيسبوك، منشن في تويتر، رسالة في الـ "جي ميل"...
الكتاب عند كثيرين نصّ وورق يطبع عليه النص، وغلاف يناسب النص والعنوان. له ملمسه ورائحته وصوته، حتى صوت الورق الذي يصدر أثناء تصفح الكتاب الألكتروني عبر سماعة اللوح الكهرومغناطيسية يقلد صوت الورق الحقيقي بفشل، به كآبة وبرودة الصوت الالكتروني، والصوت ذاته يتكرر كلما قلبنا صفحة، ما يسبب عندي ضيقاً في التنفس! والأهم من كل ذلك، للكتاب احترامه، لا بد من حيز خاص به في المساحة المحيطة، لا شيفرات رقمية في ألواح قد تتعطل وتمّحي مئات الكتب بداخله. أي مأساة قد تحلّ بأحدنا لو لسبب ما أُتلف أو أُحرق مئة من كتبه؟ هل الشعور بالمصيبة ذاتها يلحقنا إن بكبسة خاطئة مُحيَت المائة كتاب نفسها في جهاز الكتروني؟
 
 
increase حجم الخط decrease