يُسارع وزير التربية والتعليم، ومَن يدور في فلكه، إلى طمأنة الأساتذة بعد جولةٍ خاسرةٍ من معركة نضالٍ مستطيل، ومعايدتهم في عيدهم بمكرمة 100 دولار تُرسَل عبر OMT، ظنّاً أن هذا المبلغ الذي سبق أن رفضه قسم كبير من المعلمين، سيكون حجر الزاوية لسدّ رمقهم الآنيّ واستئناف العام الدراسي، في حين إنّ أكثر الناس حرصاً على عدم إثارة الفزع في قلوب العصافير هو الصياد نفسه!

عاد إلينا التاسع من آذار، مضرّجاً بدماء صاحب العيد، بعد أربع سنوات عجاف صارع خلالها الجوع خلف أبواب مغلقة، بينما كان أولياء أمور التربية يستعرضون أسنانهم في شاشات التلفزة، وهم لا يستطيعون تدبيراً لشؤون المعلمين ومطالبهم المحقة في عيشهم واستشفائهم وكرامتهم.

ولمَ لا؟ إذا كان الكلامُ هو أروع بضاعة، فهو لا يزِنُ شيئاً في عنابر السفينة، ويمكن أن يُغنيكَ إذا قايضته بالمال. إلا أنّ المعلم "الأصيل" لم يكن يوماً "بيّاعاً" أو لاعباً ماهراً يمارس الأكروباتيك اللغوي، إنما هو فنّان، صنعَ بالآلاف، من ضربات إزميله الخفيفة، رجالاتٍ وعلماءَ وأبطالاً ومناضلين!

ها قد صار للفقر عيد! متجسّداً في صورة ذاك المعلّم الذي لم يعُد يتبادل اللّكمات معَ نفسه المُفكِّرة، أو يشجّع تلميذته الخجولة بأسئلته المرِنة، إنّما أمسى كذاك الرجل الذي لا يثقُ في مستقبله في هذي البلاد فيستشير- بعد يأسه- عرّافة.

كثُر هم الذين يتفرّسون في حقوق الأستاذ جِهاراً، متجاهلين آلامه وهو يبيت ليلته على طوى، مهيض النفس خاشياً تلكَ اللحظة التي يَحضُر فيها نعشُ المدرسة الرسمية إلى الجنازة، فيدرك أنّ الموتَ قد وقع فعلاً... ربما يفكر في قرارة نفسه أنه لو كان حصاناً لأردَوه أيضاً بسبب عظامه المهشّمة، لكنه ليس حصاناً!

كم أستاذاً فكّر أن يمسك تذكرة هجرته بيده، ثمّ أمسك عن ذلك؟! كم أستاذاً شعَر بمهنته تهوي عليه ككيسٍ ثقيل؟!

فلا يظننّ أحد الأساتذة ضفادع لا تتوقف عن النقيق، إنما هم كوادر تصدَّرت لخدمة العامة بلا مِنّة، وخليقٌ بكم أن تُسارعوا إلى انتشاله من الغرق، أو أنكم ستنحدرون في دربٍ يكرّ فيها الحصى تحت أقدامكم، وسيكون التاريخ الشاهد الأخير!

فرح الدهني

الصياد يحرص على طمأنة العصافير

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد