ويحشد روته الذي تولى مهامه حديثاً خلفاً لستولتنبرغ، بقوة لرفع مستوى الإنفاق الدفاعي إلى 3.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مع 1.5 في المئة إضافية تُخصص للأمن الأوسع نطاقاً، هذا الطرح يستجيب عملياً لمطلب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي أعاد طرح هدف 5 في المئة كنسبة ملزمة للدول الأعضاء، ملوحاً في عدة مناسبات بوقف التزامات واشنطن الدفاعية تجاه من لا يلتزم بالدفع.
وأثارت التصريحات ردود فعل روسية حادة، وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف إن الناتو "لم يعد يخفي طبيعته، فهو أداة للمواجهة"، واصفاً التصعيد الدفاعي بأنه "ردع لتهديدات غير موجودة"، وأضاف: "دافعو الضرائب الأوروبيون سينفقون أموالهم لنزع فتيل بعض التهديدات التي يقولون إنها من روسيا، لكنها في الواقع تهديدات عابرة".
60 ألف جندي إضافي وملاجئ مدنية
وتتفاعل الدعوات داخل أوروبا، حيث أعلنت المسؤولة عن المشتريات العسكرية الألمانية، أنيت لينيغك-إمدن، عن أن الجيش يجب أن يمتلك كافة المعدات اللازمة للدفاع بحلول 2028، وفي السياق ذاته، أشار المفتشالألماني العام كارستن بروير إلى أن روسيا قد تكون قادرة على شن هجوم شامل على أراضي الناتو بحلول 2029.
وخصصت الحكومة الألمانية، بقيادة المستشار المحافظ فريدريش ميرتس، مئات مليارات اليوروهات لإعادة تسليح الجيش، وتخطط لتوظيف 50 إلى 60 ألف جندي إضافي، كما بدأت برلين تجهيز مليون ملجأ في الأنفاق ومحطات المترو تحسباً لنزاع مسلح.
الجاهزية القتالية البريطانية
وأعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، في برنامج إذاعي أن بلاده سترفع الإنفاق الدفاعي إلى 2.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2027، مع هدف للوصول إلى 3 في المئة في الدورة البرلمانية المقبلة، وقال: "دخلنا حقبة جديدة في مجال الدفاع، وأفضل طريقة لردع الحرب هي الاستعداد لها".
وتشمل الخطط البريطانية استثمار 15 مليار جنيه لتحديث الرؤوس النووية، وبناء مصانع لإنتاج الذخيرة، وشراء 7 آلاف قطعة سلاح بعيد المدى، بالإضافة إلى الاستعداد لاقتناء مقاتلات F-35A.
مظلة نووية وسياسة عالمية
وضاعفت فرنسا ميزانية دفاعها منذ تولي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الحكم، واستثمرت في الطائرات النووية والصناعات العسكرية، وتخوض باريس مفاوضات مع ألمانيا ودول أخرى لتوسيع مظلتها النووية، مع التركيز على تطوير مشاريع دفاعية مشتركة كـ"دبابة المستقبل" و"طائرة القتال الأوروبية".
فيما خصصت بولندا أكثر من 4 في المئة من ناتجها المحلي لميزانية الدفاع، وتخطط لرفع عدد جنودها إلى 300 ألف بحلول 2035، وتتزود بأسلحة أميركية وكورية حديثة، في خطوة لردع روسيا على الجبهة الشرقية.
وأنفقت إيطاليا 1.49 في المئة في 2024، كما تسعى لتحويل نفسها إلى أكبر قوة دبابات في أوروبا، بطلبها أكثر من 1000 دبابة قتالية من ألمانيا، وتركز استراتيجيتها على البحر المتوسط.
وتأتي كل هذه التحركات عشية قمة حاسمة في لاهاي، يسعى فيها روته لوضع التزامات محددة وموحدة للإنفاق الدفاعي، في ظل تغير الحسابات الأميركية والأوروبية.
ورغم اختلاف السياقات السياسية والاقتصادية بين فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، وباقي الأعضاء، إلا أن قناعة متزايدة تسود داخل الحلف: لا سلام مستدام في أوروبا من دون قوة ردع عسكرية هائلة.
وتتجه أوروبا نحو سباق تسلح واضح المعالم، يعيد تعريف علاقة القارة مع الأمن والدفاع، ويضع الناتو على مسار جديد، قد يُعرف لاحقاً باسم "الناتو الثاني".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها