تزامنت الأسبوع الماضي أحداث فلسطينية سورية عدة تمثلت بزيارة الرئيس محمود عباس إلى دمشق واعتقال هيئة الأمن العام أعضاء من حركة الجهاد الإسلامي والقيادة العامة، وتسريع وتيرة الحوار الأميركي مع العهد الجديد حول قضايا وملفات منها ما يتعلق بالفصائل الفلسطينية لتعيد تسليط الضوء مرة أخرى على واقع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا الجديدة، علماً أن الملف مفتوح نظرياً منذ النكبة الأولى 1948، ثم تأسيس منظمة التحرير وانطلاق الثورة المعاصرة منتصف ستينيات القرن الماضي، بالتزامن مع وصول نظام آل الأسد إلى السلطة. وبات في دائرة الضوء أكثر مع اندلاع الثورة السورية 2011 وانحياز اللاجئين إليها مقابل اصطفاف الطبقة الفصائلية برمتها تقريباً إلى جانب نظام الأسد، ثم سقوطه وتحرير دمشق وبدء حقبة سوريا الجديدة أوائل كانون أول/ديسمبر الماضي.
الثورة الفلسطينية المعاصرة
بداية، وعند مقاربة ملف اللاجئين الفلسطينيين لا بد من الانطلاق من حقيقة استقبالهم إثر النكبة الأولي في سوريا المدنية الديموقراطية بعد الاستقلال و قبل حقبة آل الأسد، كما ينبغي توفير حياة كريمة لهم، وإعطائهم كافة الحقوق المدنية وحتى السياسية والعسكرية مع تأسيس جيش التحرير وحرية العمل السياسي ضمن هويتهم الوطنية وذاكرتهم الجماعية.
مع انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة انخرط فيها اللاجئون بسوريا بقوة، وكانوا فعلاً وقودها حسب التعبير الدارج، وسطروا ملاحم بطولية وتاريخية ضد الاحتلال، كما بمعركة القرار الوطني المستقل بمواجهة سعي نظام الأسد للإمساك بورقة القضية العادلة والمتاجرة بها مع القوى الإقليمية والدولية على القرار الفلسطيني المستقل.
الموقف الفلسطيني
وعليه، سادت ولعقدين تقريباً ما تشبه القطيعة بين النظام والساحة الفلسطينية برمتها مع استثناء لفصائل القيادة العامة والصاعقة التي تصرفت دوماً كجزء من نظام آل الأسد وحزب البعث الساقطين، ومع أفول تنظيمات اليسار وضعفها تغير موقفها التاريخي ونظرتها الحذرة وحتى المعادية تجاه نظام الأسد والتعاطي معه بحكم الأمر الواقع.
تلك المعطيات وقفت مجتمعة خلف عودة قيادة الجبهتين الشعبية والديموقراطية ونقل الثقل التنظيمي إلى الداخل - رام الله وغزة-، مع المخاطر الكامنة وذلك للتحرر من قبضة آل الأسد رغم الانحياز فيما بعد والتخلي عن منطقهم التاريخي ودعم النظام في مواجهة الشعب السوري الثائر ضده.
شكّل اندلاع الثورة السورية نقطة مفصلية في تاريخ البلاد واللاجئين، مع انحيازهم الواضح والراسخ إلى جانب الثورة، وتنكيل النظام بهم وتدمير مخيماته وتشريدهم، حيث انحازوا بعقلهم الجمعي وذاكرتهم الحية الوطنية والقومية إلى إخوانهم السوريين، بينما تعاطى النظام معهم كما تعاطى مع الشعب الثائر ضده، إضافة لغطرسة وتزوير التاريخ وحديث عن طلب رد الجميل منهم رغم أياديه السوداء وجرائمه المتنقلة، كمجازر تل الزعتر وبرج البراجنة والبارد والبداوي واليرموك والرمل، تجاه القضية واللاجئين أنفسهم، واعتقال الآلاف منهم منتصف الثمانينات باعتبارهم فتحاويين أو عرفاتيين بالحد الأدنى.
طمس التاريخ الأسود
ولابد من الإشارة الى نسج النظام علاقة مع حماس الصاعدة لطمس التاريخ الأسود تجاه اللاجئين والقضية عموماً، ورغم المعطيات السابقة فقد تجلت المفارقة بانحياز الطبقة الفصائلية برمتها إلى جانب النظام لحسابات ودوافع مختلفة، بينما كانت حماس -خالد مشعل- التي تمتعت بعلاقات جيدة ومعاملة تفضيلية الاستثناء، مع رفضها تبني روايته المزعومة تجاه الثورة قبل أن تعود مع هيمنة يحيى السنوار معتذرة لتبييض صفحة الأسد وممارساته وجرائمه بأثر رجعي، بل محور المقاومة المزعوم برمته الذي استجدى الغزاة لاحتلال بغداد ودمشق وتدمير حواضرنا في الموصل وحلب.
والآن وفيما يخص حقبة سوريا الجديدة بثوابتها المتمثلة بالإعلان الدستوري والبرنامج الوزاري للحكومة الجديدة، والدعم الشعبي الواسع لها كما مظلة الحماية العربية والتركية والدولية لمحددات وأسس الحقبة، المتضمنة سيادة سوريا ووحدة وسلامة أراضيها، والحفاظ على مؤسسات الدولة ومنع انهيارها وذهاب الأوضاع نحو الفوضى وعملية الانتقال السياسي الجامعة دون اقصاء ومنبثق بما سبق وفي القلب منه بالطبع حصر السلاح بيد الدولة وسلطاتها ومؤسساتها الشرعية.
طي صفحة السلاح الفصائلي
هذه المحددات تنطبق بالضرورة على اللاجئين وتجلياتها الفلسطينية المباشرة تعني طي صفحة السلاح الفصائلي والسيرورة بدأت فعلا خارج المخيمات وجاري العمل لتنظيمه "حمل السلاح" داخلها بالمرحلة الأولى قبل قيام الدولة بتحمل مسؤولياتها الأمنية حتى داخل المخيمات.
هنا لابد من الانتباه إلى حقيقة إن السلاح لم يعد مقاوماً منذ عقود إثر خروج الثورة من لبنان عام 1982، وانتقال الثقل المقاوم بأبعاده المختلفة إلى الداخل عبر انتفاضة الحجارة عام 1987، ثم مع اتفاق أوسلو عام 1993 وتأسيس السلطة الفلسطينية وعودة مئات آلاف من كوادر الثورة ومناضليها وعائلاتهم للضفة وغزة.
تجب الإشارة كذلك إلى مأساة أن السلاح لم يعد مقاوماً فقط وإنما وضع بخدمة نظام ال الأسد في الإقليم برمته وتحديداً لبنان ثم في سوريا نفسها بمواجهة الثوار من سوريين وفلسطينيين.
والشاهد إن نشاط اللاجئين لابد وأن يرتكز بالسياق السياسي والإعلامي والاغاثي والإنساني بعقلهم الجمعي الوطني والقومي ودون الحاجة أصلاً لفصائل بوجود السفارة -على علاتها مع ضرورة تغيير طاقمها- ضمن العلاقة الرسمية مع سوريا الجديدة.
طي صفحة الفصائل
وبتفصيل أكثر لا بد من طي حقبة الفصائل برمتها لضرورات فلسطينية وسورية وطنية وقومية وعليه يفترض أن يكون حال القيادة العامة من حال النظام الساقط والصاعقة من حال البعث البائد كما اليسار الهامشي والضعيف الذي تبنى رواية النظام عن المؤامرة الأممية المزعومة ضده بينما باتت الجهاد -ومجموعات يسارية صغيرة أخرى- للأسف مدارة ومشغلة إيرانياً بشكل شبه تام.
حماس وحدها تملك ميزة نسبية مع انحيازها الواضح للثورة ورفضها تبني رواية النظام بالسنوات الخمس الأولى من عمر الثورة السورية قبل أن تعود معتذرة للأسد والقطيع الفصائلي ومع اعتذار لازم وضروري منها، التزاماً بالأغلبية الحزبية في الضفة والشتات من طرف القيادة الجديدة بالحركة التي بات تشكيلها مسألة وقت فقط، لنفض غبار التماهي مع محور الممانعة المزعوم علماً أنه حتى الحركة نفسها قد تبقي مجرد فكرة في المنفى، حسب تعبير وليد جنبلاط.
ومع احترام جنبلاط وتنبؤاته لابد من الاختلاف معه في حقيقة إن القضية لم ولن تنتهي مع نكبة 2024- التي أعادتها سنوات بل عقود للوراء ولكن الطبقة الفصائلية كلها هي التي انتهت ولو اكلينيكيا كما حصل مع المفتي أمين الحسيني ورفاقه بعد النكبة الأولى ولا شك إننا بصدد مرحلة جديدة لم تتضح معالمها النهائية بعد ولابد أن يواكبها اللاجئون بحراك شعبي يفرز قيادات وأطر ومنظمات أهلية شابة وديموقراطية تمثلهم ومنحازة بالضرورة لذاكرتهم الجمعية وهويتهم الوطنية والقومية وبالتأكيد للثورة الظافرة وسوريا الجديدة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها