السبت 2025/05/10

آخر تحديث: 00:14 (بيروت)

ماذا تعني مشاركة السيسي بعيد النصر الروسي؟

السبت 2025/05/10
ماذا تعني مشاركة السيسي بعيد النصر الروسي؟
© Getty
increase حجم الخط decrease
عَملَت موسكو بكل جهدها لكي يكون الاحتفال بالذكرى 80 لعيد النصر، كبيراً ومؤثراً ويحمل رسائل سياسية وعسكرية في كل الاتجاهات، وهي دعت عدد كبير من قادة الدول للمشاركة فيه، كما شاركت 13 دولة صديقة لروسيا بقوات رمزية في العرض العسكري الضخم في الساحة الحمراء وسط المدينة. والاحتفال التقليدي بالانتصار على النازية في 9 أيار/مايو، يُكرِّم أبطال الحرب الذين انتصروا على الجيوش التي قادها الزعيم الألماني أودلف هتلر في الحرب العالمية الثانية، ويترحَّم على ملايين الضحايا الذين أكلت أجسادهم نيران الحرب.
لكن البارز هذا العام مشاركة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي شخصياً في الاحتفال، برغم أهمية حضور رؤساء 29 دولة آخرين، وبينهم الرئيس الصيني تشي جين بينغ. فاللحظة السياسية والأمنية الحساسة التي تمرُّ بها المنطقة العربية – لا سيما منها المحيطة بمصر – تُعطي الحضور المصري دلالات كبيرة، وقد يكون لحضورهِ تأثيرات مستقبلية واسعة، فالاختناق المصري من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزَّة، ومن توتير الأجواء في البحر الأحمر؛ أحرجا قادة بلاد النوبة العُليا، واستمرار هذه الوضعية يُهدد الاستقرار الإقليمي، كما يُسبِّب كارثة لا تعوَّض للاقتصاد المصري المُتعب، وقدرت خسائر عائدات قناة السويس فقط حتى الآن بـ7 مليار دولار.

في العام 1955 أقفل الغرب أبوابه بوجه الرئيس المصري جمال عبد الناصر، بعد أن رفض الدخول في حلف بغداد الذي أنشأه الرئيس الأميركي دوايت ايزنهاور بحجة محاربة الشيوعية، وأصرَّ على تأميم قناة السويس، فخرج المارد المصري من "القُمقُم المحقون" بفعل ضغط الماكينة العدوانية الإسرائيلية ومعها الفرنسيين والبريطانيين في حينها، وزار موسكو، وأبرمَ معها اتفاقيات استراتيجية، ومن بينها عقود للحصول على السلاح المُتطور، والإشراف على تنفيذ السدّ العالي، ووعد بوقوف الاتحاد السوفياتي بحزم ضد أي اعتداء على الأراضي المصرية.

مع فارق الزمن، ومع اختلاف الوضع الحالي عن الوضع في خمسينات القرن الماضي، وبصرف النظر عن التباينات في الخصائص الشخصية بين عبد الناصر والسيسي؛ يمكن تشبيه جوانب من الاستدارة المصرية اليوم نحو موسكو بالخيار الذي لجأ اليه عبد الناصر في الماضي، فالجفاء الذي حصل بين القاهرة وواشنطن بعد تولِّي دونالد ترامب الرئاسة في البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير، وصل الى حدود مُتقدمة، على خلفية اقتراح ترامب ترحيل فلسطينيي غزة الى مصر والأردن، وما أعقب ذلك من تأجيل لزيارة السيسي الى البيت الأبيض لمرتين، خوفاً من إحراج كان حصل إبان استقبال ترامب للملك الأردني عبد الله بن الحسين وللرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي، من خلال تجاوز أصول اللياقة معهم أمام كاميرات الإعلام، والسيسي لا يمكن له أن يتحمل ذلك إطلاقاً، ومصر تتمتع بمكانة لا تسمح لها بالتساهل مع مثل هذه المواقف. وزيارة وزير الخارجية المصرية بدر عبد العاطي لواشنطن في 9 شباط/فبراير، لم تنجح في إعادة الحرارة إلى العلاقات الثنائية، والأميركيون يعتبرون أن الرئيس السيسي رفض تلبية دعوة الرئيس ترامب، برغم العلاقات المتميزة التي تربط البلدين منذ معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، والتي رعاها الرئيس الأميركي جيمي كارتر في العام 1979، وتعهد بموجبها تقديم مساعدات مالية وعسكرية للقاهرة.

الرئيس ترامب لم يدرج القاهرة في برنامج زيارته للمنطقة منتصف الشهر الجاري، كما جرت العادة مع الرؤساء الاميركيين الأخرين، والتعاون المحدود بين وكالة المخابرات المركزية الأميركية والمخابرات المصرية في المفاوضات التي تجري حول غزة؛ لا يعتبر استراتيجياً في مسار العلاقات، كذلك استقرار وضعية التبادل التجاري بين البلدين على حالها من دون تراجع، وهي بحدود 10 مليار دولار سنوياً، فالبلدان صديقان حتى الآن، وتربطهما كثير من الاتفاقيات. ولكن على الضفة الأخرى فقد ارتفع منسوب التبادل بين مصر وروسيا في العام المُنصرم الى حدود 8 مليار دولار، ومقدر له أن يزداد في العام الحالي. وهذه مؤشرات لا يمكن إغفالها.

من الواضح أن زيارة السيسي لموسكو هذا العام ليست للمشاركة في احتفالات النصر فقط، وقد تكون محطة تغييرية هامة، او "محطة تحذيرية هامة" على أقل تقدير. فاختلال التوازنات في الشرق الأوسط لا يمكن أن يستمر الى ما لا نهاية، والانحياز الأميركي المُطلق لإسرائيل؛ يؤسس لتغييرات مؤكدة، ولا يمكن التسليم بالتفوق الإسرائيلي المُرفق بالجنوح العدواني الى فترة طويلة، ومقومات بناء توازن يحفظ بعض المكانة العربية؛ متوافرة من خلال التعاون مع موسكو، ومع بكين، خصوصاً اذا ما استمرَّت واشنطن بسياستها الحالية في تشجيع المُتطرفين في إسرائيل، بينما هي لا تُقيم وزناً لحلفائها، ولغير حلفائها من شعوب المنطقة.
في الحسابات التي تفرضها قواعد العلوم السياسية؛ فإن زيارة السيسي إلى موسكو في هذا التوقيت ليست عادية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها