ما أن يهدأ حتى يتصاعد مرة أخرى. لا يختفي، بل يتراجع حيناً ويعود حيناً آخر. وعندما يعود فانه يكون اشد وقعا، ذاك هو الخطاب الطائفي العراق.
يتبناه الجميع تقريباً، فكراً ومنهجاً وخطاباً، وبنفس الوقت ينتقدونه، حتى أضحى عنواناً رئيسياً للعملية السياسية في العراق.
وما يزيد الامر سوءاً، أن هذا الخطاب وتصاعده، لم يعد رهناً بالداخل العراقي فحسب، بل إنه اصبح يتاثر ومنذ سنوات عديدة بشكل كبير بالتطورات التي تشهدها المنطقة والتي باتت تنعكس بشكل مباشر على الداخل العراقي واستقراره.
ومع انتصار الثورة السورية، ووصول المعارضة إلى السلطة وما أعقبها من تطورات عصفت بالمنطقة، ابتداءاً من أحداث الجنوب اللبناني وليس انتهاءاً بالتهديدات الأميركية ضد ايران والتي باتت تهدد باندلاع حرب بين البلدين، عاد الخطاب الطائفي ليتصدر المشهد في العراق. لكنه تصاعد بشكل ملفت للنظر في الأسابيع الماضية، حيث وقف غالبية السنة في العراق موقفاً مؤيداً لما شهدته سوريا بينما عارضه شيعة العراق.
"إقليم السنة"
شكل شعار "صوت السنة سيعلو مرة أخرى"، علامة فارقة بعودة هذا الخطاب، لدرجة أن متبني هذا الشعار، وغالبيتهم من السنةـ دعوا وفي غمرة الأحداث السورية، إلى تكرار السيناريو السوري في العراق، وهو ما أزعج الشيعة كثيراً. وكنتجة لهذه الاحتدام، عادت مرة أخرى الى الواجهة دعوات إقامة اقليم في محافظة الأنبار (او كما يحلو للبعض تسميته إقليم السنة).
تقع محافظة الأنبار غرب العراق، وتُعتبر أكبر محافظة عراقية من حيث المساحة، وتحاذي حدودها سوريا والأدرن والسعودية، ويزيد عدد سكانها على المليون ونصف المليون نسمة، بحسب اخر تعداد سكاني شهدته البلاد قبل عدة اشهر.
ليست المرة الأولى التي تتعالى فيها الأصوات بإقامة إقليم الأنبار. ورغم الانتقادات التي واجهتها هكذا دعوات من قبل ورغم دستوريتها، إلا أن قوى سياسية ومجتمعية شيعية وسنية تخشى أن تكون عملية انشاء الأقاليم بداية لتقسيم العراق.
يرى متبنو هذا الخطاب، أن إحدى الأسباب التي تدفعهم إلى المضي بهذا الخيار هو أن إقامة إقليم الأنبار سيكون كفيلاً بـ"إكمال المهمة" التي كرستها الثورة السورية في إنهاء ما يسمى "الهلال الشيعي" الذي تقوده إيران، من خلال قطع الطريق البري الذي طالما استخدمته الفصائل المسلحة الشيعية العراقية لسنوات في حركتها للوصول إلى سوريا، إضافة إلى إيصال المساعدات من ايران إلى الداخل السوري لدعم نظام بشار الأسد عسكرياً.
شكلت هذه الدعوات وما رافقها من خطاب متشنج، استفزازا لأطراف سياسية وغير سياسية شيعية، خصوصاً تلك التي كانت ترى بضرورة أن يكون هناك دوراً عراقياً في سوريا قادر على ملء الفراغ بعد سقوط نظام بشار الأسد وحماية الشيعة والعلويين فيها.
وتصاعد هذا الخطاب كثيراً بعد الاحداث التي شهدتها مناطق الساحل السوري.
ومع أن الحكومة العراقية قطعت الطريق مبكراً أمام هذه الدعوات من خلال مباركتها للتغيير في سوريا والإعلان أنها لن تكون جزءاً من أي حالة صراع قد تنشأ داخل سوريا وأنها تدعم خيارات الشعب السوري، إلا أنها لم تتمكن من وأد الخطاب الطائفي المشتنج الذي تصاعد مؤخراً.
دولة شيعية
وكردة فعل على دعوات إقامة إقليم للسنة، تصاعدت بالمقابل دعوات إقامة إقليم للشيعة بجنوب العراق، بل إن البعض ذهب أبعد من ذلك عندما دعا إلى اقامة "دولة شيعية" في جنوب العراق، وهي دعوة لم يشهدها العراق من قبل.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل حد تبني بعض القوى الشيعية خطاب "نفط الشيعة للشيعة"، في إشارة إلى المحافظات الجنوبية المنتجة للنفط، وهي محافظات ذات أغلبية شيعية.
أبرز التصريحات كانت لرئيس الوزراء الأسبق وزعيم تحالف "دولة القانون" نوري المالكي، الذي حذر من دعوات استنساخ السيناريو السوري في العراق. وقال إن هذا الحديث "هو مقدمة ستكون نتيجته الوصول بالعراق إلى حالة الانفصال، أو تشكيل فيدراليات".
ورغم تأكيده ان "الشيعة يؤمنون بالعراق الواحد"، إلا أنه قال إن السير بهذا الطريق سيدفع شيعة العراق إلى اتخاذ موقف: "نفطنا لنا وخيراتكم لكم".
وكرد فعل على هذا الخطاب، دعا رئيس البرلمان محمود المشهداني (سني) الجميع إلى ترك الخطاب التصعيدي.
وفي تصريح تهكمي، قال المشهداني في مقابلة تلفزيونية، إن من يفكرون بإنشاء إقليم شيعي للتفرد بالنفط، عليهم أن يفكروا بالمياه وكيف ستصل إليهم، في اشارة إلى أن نهري دجلة والفرات يمران بمحافظات ذات أغلبية سنية قبل أن يصلا إلى المحافظات الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية.
ورغم التهكم الذي أبداه الرجل في كلامه، إلا أن هذا لم يكن كافياً لوقف الانتقادات الكثيرة التي وجهت له. وإزاء هذه التقاطعات وما رافقها من تصريحات متشنجة وحادة، دعا المشهداني الجميع إلى العمل من أجل تشريع "قانون تجريم الطائفية".
إن عودة الخطاب الطائفي لا يمكن النظر إليه بمعزل عن ما تشهده البلاد التي باتت على أعتاب إجراء انتخابات برلمانيةـ في الحادي 11 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل. ويرى كثيرون أن الخطاب الطائفي سيكون مسموعاً بل ومتصاعداً في العراق خلال المرحلة المقبلة، لأنه يشكل للبعض مادة دسمة لاستقطاب الناخبين والحصول على أكبر قدر ممكن من أصواتهم، وهو ماكان يحصل في كل دورة انتخابية جرت في العراق خلال العقدين الماضيين.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها