كشف مصدر من حركة "حماس"، لـ"المدن"، أن الحركة ستقدم رداً مضاداً للمقترح الإسرائيلي الذي بحثه وفدها في القاهرة أخيراً، خلال يومين، مع إمكانية عودة الوفد إلى العاصمة المصرية، الخميس.
وأكد المصدر أن العرض الإسرائيلي كان "صعباً جداً" ولا يمكن القبول به، لكنه أوضح أن الحركة تتبع منهجية تبتعد عن أسلوب الرفض أو القبول، وإنما ترد بتقديم عرضها المُضاد المبني على رؤيتها لوقف إطلاق النار والحرب كلياً، مضيفاً أن "حماس" لديها قناعة بأن الوقت ليس لصالحها ولا لصالح إسرائيل أيضاً.
وأوضح أن على الرغم من ما يشكله الرئيس الأميركي دونالد ترامب والوضع الداخلي في إسرائيل من عوامل ضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلا أن تقدير الدوائر السياسية والعسكرية في "حماس"، هو أن أوراق الضغط هذه لا تشكل حتى الآن عاملاً يجبر تل أبيب على وقف الحرب على غزة.
بند "نزع السلاح"
وبخصوص البند الوارد بالمقترح الإسرائيلي حول جزئية نزح سلاح "حماس"، أوضحت مصادر سياسية لـ"المدن"، أن البند نصّ حرفياً على أن دخول تل أبيب في مفاوضات وقف إطلاق النار الدائم والحرب نهائياً، يجب أن يتضمن نزع السلاح وخروج قيادات الحركة من القطاع. وهذا يعني أن هذا الشرط بات استباقياً لانخراط إسرائيل في مفاوضات الوقف النهائي للحرب، وهو ما بدا مُستجداً في طرح تل أبيب مقارنة بجولات المفاوضات السابقة، حيث كانت تضع مسألة نزع السلاح كشرط تنفيذي لوقف الحرب النهائي، لكنها أصبحت الآن تصر عليه كشرط استباقي لانطلاق أي مفاوضات تقود إلى تحقيق مطلب إنهاء الحرب كلياً.
والحال أن طرح الشرط بهذه الصيغة، يمثّل حيلة إسرائيلية للتهرب من مفاوضات وقف الحرب، لأن نتنياهو يدرك أن حماس سترفض الشروط المؤدية إلى ذلك، وبالتالي سيكون بهذه الطريقة قد ألقى الكرة في ملعب الحركة وحملها هي المسؤولية، بحسب تكتيكه التفاوضي.
مقترحان على الطاولة!
وفي تفاصيل المقترحات، بيّنت مصادر "المدن" أن تل أبيب طلبت الإفراج عن 10 محتجزين أحياء، أي أقل من مطلبها الأصلي بمحتجز واحد، لكنه بقي متجاوزاً لنظرية "العرض الوسط" بين مطالب "حماس" وإسرائيل، ووافقت أيضاً على هدنة لـ50 يوماً مقابل ذلك، وهو عدد أيام أكبر مما عرضته في مقترحها السابق الذي كانت تصر فيه على عدد أيام أقل للهدنة.
وتضمن العرض أيضاً تسليم "16 جثة للمحتجزين مقابل 160 جثماناً لفلسطينيين من غزة"، وفق المصادر.
وبينما نص المقترح المصري المعدل على الإفراج عن 8 محتجزين إسرائيليين وعدد من الجثامين مقابل وقف إطلاق النار، تضغط الولايات المتحدة باتجاه موافقة "حماس" على إطلاق سراح أكثر من ذلك، وتحديدا بين 9 و10 محتجزين، وأن يكون الإفراج عنهم ضمن أقل مدة زمنية ممكنة لدفعات التبادل، في مقابل منح واشنطن ضمانات لـ"حماس"، بالانتقال إلى حديث جدي بخصوص شروط ومفاوضات وقف الحرب.
وهذا يعني أن وفد "حماس" ناقش عملياً مقترحين في القاهرة، وهما مقترح إسرائيلي وآخر مصري معدّل، ضمن منهجية الوسطاء لبحث سقوف القبول والرفض حيال كافة ملفات المفاوضات، والمساحات التي يمكنهم العمل عليها لجسر الفجوات التي ما زالت كبيرة بين الطرفين.
وفي السياق، شددت مصادر من "حماس"، لـ"المدن"، على أن الوسطاء كانوا يعلمون مسبقاً أن الحركة سترفض العرض الإسرائيلي "المنخفض"، لكنها بيّنت أنه وُضع على الطاولة من أجل التفاوض على أرضيته، وهو ما يعني إمكانية خضوعه لمزيد من التعديل والعروض المتقابلة في الأيام المقبلة، رغم التعقيدات الكبيرة.
وأكدت المصادر أن الإشكالية الجوهرية في العرض الإسرائيلي بالنسبة لـ"حماس"،ـ ليس في رقم المحتجزين، بقدر ارتباطها بمسألة إنهاء الحرب والشروط الإسرائيلية مقابل ذلك.
نظرية "الضغط العسكري"!
في المقابل، اعتمدت إسرائيل في مقترحها وشروطها على نظريتها القائلة إن "الضغط العسكري سيجعل حماس تقدم تنازلات"، بحسب ما نقلت وسائل إعلام عبرية عن مسؤولين إسرائيليين. ووفق القراءات الإسرائيلية، فإن التوصل إلى هدنة في الأيام القريبة، وتحديداً خلال الأعياد اليهودية، يبدو مستبعداً، طالما "تتمسك حماس بشرط وقف الحرب والبقاء في السلطة"، على حد تعبيرها.
بينما قال المراسل العسكري للتلفزيون العبري الرسمي "مكان"، إن الجيش يتبع استراتيجية جديدة في القتال بغزة، مضيفاً أن نحو 40 في المئة من مساحة القطاع هي تحت السيطرة الإسرائيلية، لكن المراسل العسكري أقر في إفادته التلفزيونية بأن الضغط العسكري لم يؤدِ حتى الآن إلى نتيجة، ولم يجبر حماس على "التنازل والقبول بالشروط الإسرائيلية والأميركية".
ونوهت هيئة البث العبرية بأن الجيش الإسرائيلي يكرس سيطرته في رفح جنوباً، ويوسع عمليته شمالاً، وهو واقع وصفه مراسل "مكان" العسكري بأنه ينافي بعض التفاؤل الذي أثاره وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس قبل أيام، حينما قال من رفح إنّ تل أبيب أقرب إلى عودة المحتجزين من توسيع العملية العسكرية. وتساءل المراسل: "على ماذا بنى كاتس تفاؤله بهذا الخصوص؟.. بينما نرى على أرض الواقع عكس ذلك!".
ومهما كانت فرص عقد هدنة جديدة، فإن العقلية الإسرائيلية ما زالت تقوم على منطق "الحسم في غزة"، أي أنها ترفض أي وقف الحرب إلا بتحقيق غاياتها، وفق ما تروجه سراً وعلانية. وأما الدور الأميركي في مسألة المفاوضات، فهو ضبابي، رغم حديث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن فرص وقف الحرب قريباً، فهل يقصد بأن هذا الوقف مرهون بموافقة "حماس" على شروط إسرائيل والولايات المتحدة؟.. أم هو مؤشر لإمكانية الضغط على نتنياهو لتليين شروطه؟
لا شك أن الإجابة على ذلك رهينة ما ستحمله الأيام المقبلة على صعيد مساري المفاوضات والميدان بخصوص غزة، وعندها يمكن أيضاً فهم تكتيك ترامب، وما إذا يتبع أسلوب التضليل والتحفيز المتعمّدين تجاه "حماس".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها