تأمل كثير من الأسر الكردية أن يساهم الاتفاق المتوقع تنفيذه بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والحكومة السورية، باستعادة أبنائهم المختطفين، ووضع حد لممارسات الشبيبة الثورية، من عمليات الخطف والتجنيد القسري للأطفال والشباب ضمن تشكيلات حزب العمال الكردستاني.
وكان قائد "قسد" مظلوم عبدي، قد وقّع مع ممثلة الأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح، فرجينيا غامبا، في العام 2019، خطة لإنهاء اختطاف ومنع تجنيد الأطفال دون سن الـ 18، وعدم استخدامهم في الأعمال العسكريّة.
لكن حتى شهر نيسان/ أبريل الماضي، وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان استمرار احتفاظ مكونات "قسد" بنحو 413 طفلاً مجندين ضمن تشكيلاتها، وذلك خلال توثيقها حادثة اختطاف الطفلة حنان عبدو وزجها في معسكر تدريبي تابع لـِ "قسد" في مدينة عين العرب.
مبالغ طائلة لتهريب الأطفال
أجبرت عمليات الخطف المستمرة، الكثير من الأهالي على تهريب أبنائهم إلى مناطق أكثر أمناً، بعيداً عن أذرع الشبيبة الثورية، حيث يؤكد مجد إيبو، من مدينة الحسكة، أن أقاربه دفعوا آلاف الدولارات مقابل تهريب ولدهم محمد الذي اختطفته عناصر "قسد" ونُقل إلى معسكرات قنديل، وذلك بعد نحو سنة من مرارة البحث عنه.
ويقول: "جرى اختطاف محمد وهو بعمر 15 سنة بعد خلاف مع والده على تجديد هاتفه النقال، حيث كان الطفل على تواصل مع عناصر أمنية من قسد في المنطقة، ليبلغوه بوصول هاتفه الجديد إلى مقر المفرزة، وطلبهم إليه القدوم لاستلامه شخصياً، ومنذ ذلك الوقت انقطعت أخباره نهائياً".
ويضيف: "بالرغم من مواجهتنا لقسد بالمراسلات مع الطفل، لم نحصل على أيّة معلومات، ومنها بدأت عملية دق أبواب القادة والمتنفذين وصرف الأموال حتى وصلنا لقيادي رفيع في جبل قنديل، الذي ساعدنا على تهريب محمد من معسكرات حزب العمال في قندل باتجاه سوريا، ومنها قام والده بتهريبه إلى لبنان، حيث استقر هناك".
الموت وانقطاع التواصل
بدوره، يؤكد الناشط المدني أبو تيم، أن أخبار المختطفين أو الوصول لمرحلة الدفع مقابل استعادتهم، لم تكن في متناول الكثيرين، وذلك في إشارته إلى حالات خطف عدة شهدتها مناطق شمالي وشرق سوريا، ومنها حادثة اختطاف الطفلة عبير على يد الشبيبة الثورية، وانقطاع أخبارها منذ العام 2018.
ويوضح، أن عبير اختطفت وهي بعمر 14 سنة، وحتى اليوم لا يزال أفراد عائلتها يبحثون عن خيط يقودهم إلى مكانها أو خبر عن حالها، من دون فائدة، بسبب التعتيم حول هذا الملف.
ويقول: "بعد اختطاف عبير بنحو عام تقريباً، قامت وحدات حماية الشعب باختطاف شقيقها محمد وعمره 13 سنة، ونقلته إلى معسكر الشدادي في الحسكة، ليُنقل بعدها إلى معسكر قتالي في الرقة ثم فرزه إلى جبهات القتال ضد فصائل الجيش السوري الحر، وهناك قتل نتيجة انفجار لغم أرضي وهو بعمر 15 سنة".
مناشدات لوقف الانتهاكات
مع تقدم المفاوضات بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" والحكومة السورية، وبدء الحديث عن آلية دمج الأخيرة ضمن مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، تطالب أسر كردية عدة حكومة دمشق، بالتحرك الفاعل لإنهاء عمليات التجنيد الإجباري وخطف الأطفال الذي ينغص معيشتهم، ووضع حد لممارسات الشبيبة الثورية المعروفة باسم "جوانين شورشكر".
ويشير الناشط الحقوقي أحمد المنبجي إلى أن عناصر الشبيبة، وبعد خطف الأطفال تخضعهم لشهرين على الأقل من التدريب الأيديولوجي والعسكري المكثف، ثم تلحقهم بإحدى المجموعات المسلحة، لا سيما وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، وبعضهم يخضع لتمرين عسكري إضافي على يد حزب العمال الكردستاني، في جبل قنديل.
وعلى غرار من تواصلت معهم "المدن"، يطالب المنبجي الحكومة السورية، بضرورة إجبار "قسد" وتشكيلاتها على تنفيذ القوانين السورية الجديدة التي تمنع التجنيد الإلزامي، إضافة إلى الإفراج عن المختطفين وتسريح المقاتلين دون السن القانونية، والكشف عن مصير المغيبين الذين جرى اختطافهم خلال سنوات سيطرة "قسد" على مناطق شمالي وشرق سوريا وريف حلب.
ويقول: "خلال سنوات الحرب، لم يكن لدى السكان خيارات كثيرة للفرار أو تهريب أبنائهم، فالأغلبية تتجه نحو إقليم كردستان العراق، حيث كانت مناطق النظام البائد غير آمنة، وبالنسبة لمناطق المعارضة فالأوضاع المتدهورة جعلتها وجهة اضطرارية، وجميع الطرق شديدة الخطوة ومرتفعة التكاليف".
ويضيف أن "صعوبة الفرار من مناطق قسد وعدم قدرة غالبية الأسر على تحمل التكاليف، جعلت الأطفال والمراهقين من الجنسين أهدافاً سهلة، وهذا ما أدى إلى انخفاض حاد في حضورهم عموماً، وبالصفة المدنية خصوصاً".
الحكومة السورية وحل الملف من الجذور
لكن الكاتب والسياسي علي تمي، يعتقد أن الحكومة السورية "لا تريد بحث القضايا الجزئية العالقة مع قسد، وفي بدايتها قضية خطف الأطفال، في حين تريد حسم الملف من الجذور، وهذا ما يواجه حالياً التحديات الميدانية والسياسية".
ويقول: "قسد جزء من منظومة العمال الكردستاني، فهي أحد تفرعاتها، كما منظمة الشبيبة الثورية، ولكل منهما دور ومهمة، وبالتالي فإن منظمة الشبيبة التي تتبع بشكل مباشر لحزب العمال، تقاد بطريقة منفردة عن قسد".
ويعتبر أن دور الشبيبة الثورية في هذا الملف، يتعلق بتنظيم النشاطات من الرياضة والثقافة لاستدراج الضحية إلى الفخ على نحوٍ محكم، وإقناع الأطفال بالذهاب معهم إلى معسكرات التدريب المنتشرة في أرياف دير الزور، وغالباً ما تكون مختلطة، لإبعاد الأطفال عن ذويهم.
ويشير إلى تصاعد عمليات التجنيد في مناطق "قسد"، واستخدام شتى أنواع الطرق من ترغيب وترهيب وضغط على الأهالي لتسليم أبنائهم، وهو الأمر الذي يشكل هاجساً بالنسبة للعائلات، التي لم تعد تأمن على أطفالها خارج المنزل.
ويرجح تمي أسباب الزيادة الملحوظة في ممارسات "قسد" والشبيبة الثورية "إلى مؤشرات فشل تنفيذ اتفاق 10 آذار/ مارس بين قسد والحكومة السورية الذي تنتهي مهلته مع نهاية العام الجاري، وهو ما يعني ذهاب المنطقة باتجاه التصعيد العسكري وحرب لا مفر منها".
ودائماً ما تشهد مناطق سيطرة "قسد"، تظاهرات احتجاجية ضد حملات التعبئة العامة والتجنيد الإجباري وممارسات التجنيد القسري "الاختطاف"، ومنها في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، التي أدت إلى تصاعد الاحتقان الشعبي من تضييق "قسد" على الأهالي وملاحقة المطلوبين والفارين من التجنيد ومعسكرات التدريب.
