دعا تقرير إسرائيلي إلى استثمار ما تبقى من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي "أثبت نفسه كحليف متحمس لإسرائيل ويقود سياسة خارجية تغير الشرق الأوسط والحلبة الدولية"، من أجل فرض ترتيبات سياسية وأمنية إقليمية طويلة المدى، قبل حدوث أي تحول محتمل في السياسة الأميركية عقب نهاية ولايته. ويستند التقرير إلى تقديرات ترى أن التغيرات المتسارعة داخل المجتمع الأميركي وتراجع التأييد الشعبي لإسرائيل قد يترك انعكاسات ملموسة على مستقبل العلاقات الإسرائيلية – الأميركية خلال المرحلة المقبلة، ما يجعل الفترة الحالية فرصة استثنائية ينبغي عدم تفويتها.
واعتبر التقرير، الصادر اليوم الأربعاء، عن معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، بوصفه "ورقة موقف"، أن خطة ترامب لإنهاء الحرب في غزة تتوافق بشكل وثيق مع المصلحة الإسرائيلية في استعادة المخطوفين من أسر "حماس"، وإنهاء الحرب، وإبعاد الحركة عن الحكم في القطاع، ونزع سلاحها، وتعزيز موقع إسرائيل الإقليمي، بالتوازي مع كبح الجهود الدولية الرامية لعزلها. ورأى معدو التقرير أن تبني الخطة رسمياً من قِبل إسرائيل "ضرورة" تتيح لترامب المضي قدماً في مبادرات إضافية لـ"تحصين الأمن القومي الإسرائيلي" خلال الفترة المتبقية من ولايته.
تغيّر أميركي… وقلق إسرائيلي
يؤكد التقرير أن الصورة التقليدية لإسرائيل كدولة تابعة للولايات المتحدة قد تبدو صحيحة من زاوية ما، غير أن تحليل الاتجاهات المستقبلية يكشف عن "واقع إشكالي" يتشكل تدريجياً في العلاقة بين الجانبين، بفعل التحولات العميقة التي تشهدها الولايات المتحدة، على غرار التحولات نفسها داخل المجتمع الإسرائيلي. ويوضح أن تغيرات ديمغرافية واجتماعية وسياسية تؤثر في صورة إسرائيل، خصوصاً داخل اليسار الأميركي، حيث يبرز تيار تقدمي يسعى إلى "التكفير عن آثام الآباء المؤسسين" في ما يتعلق بتاريخ العبودية وإبادة السكان الأصليين، عبر تمجيد الطرف الضعيف ومواجهة "الرجل الأبيض المستفيد من امتيازاته". وفي هذا السياق، تُقدم إسرائيل كرمز لـ"القوة البيضاء المستغِلة" في مواجهة الفلسطيني "الضعيف والمقموع". ولا يقتصر هذا التحوّل على التيارات الراديكالية، بل يمتد إلى شرائح واسعة داخل اليسار المعتدل المتأثرة بسياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.
ويبرز تغير مشابه داخل اليمين الأميركي المحافظ، حيث تشهد حركة "MAGA" التي يقودها ترامب صعوداً لخطاب قومي يرى أن استعادة "عظمة أميركا" تقتضي التركيز على الداخل وتقليص الانخراط الخارجي. ويزداد في أوساط راديكالية داخل هذا المعسكر النظر إلى إسرائيل كدولة "تستغل" الولايات المتحدة وتدفعها نحو حروب لا خدمة فيها للمصالح الأميركية، على نحو يُضعف مكانة واشنطن في المنافسة على الهيمنة العالمية، بالتوازي مع تنامي أصوات ذات طابع معادٍ للسامية تربط بين اليهود وإسرائيل بنبرة قاسية ومتطرفة.
التأييد عند أدنى مستوياته
وتُظهر استطلاعات رأي أميركية تراجعاً غير مسبوق في صورة إسرائيل لدى الرأي العام. فقد أظهر استطلاع لمعهد "PEW" في آذار/مارس الماضي أن 53% من الأميركيين باتوا يُبدون رأياً سلبياً تجاه إسرائيل، فيما كشف استطلاع "غالوب" في الفترة نفسها أن التأييد لإسرائيل بين البالغين في الولايات المتحدة انخفض إلى 46%، في أدنى مستوى يُسجل منذ 25 عاماً. أما استطلاع جامعة ماريلاند، فبين أن 41% من الأميركيين يعتقدون أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية أو جرائم مشابهة في غزة، بينما لا يتجاوز التأييد لها بين الجمهوريين الشباب في الفئة العمرية 18–34 عاماً نسبة 13%، مقابل 67% بين الجمهوريين ممن تجاوزوا 65 عاماً.
وامتد التراجع إلى القاعدة الإنجيلية البيضاء، التي شكلت تاريخياً العمق الشعبي الأكثر دعماً لإسرائيل، إذ انخفضت نسبتها من 23% من إجمالي الأميركيين عام 2016 إلى 14% عام 2020، كما تراجعت نسبة المؤيدين لإسرائيل داخل هذه القاعدة من 69% عام 2018 إلى 34% عام 2021، وبشكل أوضح بين الشباب. ويخلص التقرير إلى أن إسرائيل "على عتبة ضائقة استراتيجية" داخل المشهد الأميركي المتغير.
"هندسة" الشرق الأوسط قبل تغيّر الرياح
ويرى التقرير أن وجود ترامب في البيت الأبيض يشكل "نافذة فرص كبيرة" ينبغي استغلالها عبر مسارين متوازيين: أولهما إعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق رؤية إسرائيلية، وثانيهما تعزيز قوة إسرائيل ومكانتها لضمان استمرار عناصر الدعم الأساسية في حال تراجع التوجّهات الأميركية المستقبلية. ويدعو معدّو "ورقة الموقف" إسرائيل، بعد إعلان موافقتها الرسمية على خطة ترامب، إلى ترسيم خطوط سياسية لتنفيذ "انفصال" عن كيان فلسطيني مستقل يتمتع بسيادة محدودة ويكون منزوع السلاح وخاضعاً لموافقتها، بما ينسجم مع نماذج مطروحة سابقاً، مع البناء على إرث مبادرتي ترامب الحالية و"اتفاقيات أبراهام" عام 2020، بوصفهما أساساً لبلورة حل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
ويشدد التقرير على ضرورة عدم ترك ملف إيران للرئيس الأميركي المقبل، معتبراً أن الضغط الاقتصادي قادر على زعزعة استقرار النظام الإيراني، لكنه وسيلة وليس غاية، الهدف منها انتزاع اتفاق نووي "أفضل من السابق". ويقترح في ذلك استراتيجية ضغط اقتصادي وسياسي "أقصى" تقودها واشنطن، مدعومة بتهديد عسكري ذي مصداقية عبر إعادة بناء قدرة هجومية إسرائيلية – أميركية مشتركة تمنع إيران من امتلاك سلاح نووي.
قبل أن يفوت الأوان
ويقترح التقرير تصوراً للملف السوري ينتهي إلى دولة مستقرة تسيطر على أراضيها ولا تشكل تهديداً لإسرائيل، مع تطوير تدريجي للعلاقات وصولاً إلى التطبيع، عبر اتفاق أمني يمهد لذلك، مع تجنب دفع الرئيس السوري أحمد الشرع لقرارات متسرعة قد تؤدي إلى سقوطه واستبداله ببديل "جهادي أكثر تطرفاً". ويرى أن الحفاظ على "نظام معتدل" في دمشق يتطلب إنهاء السيطرة العسكرية الإسرائيلية في سورية مقابل اتفاقات أمنية تُختبر على مراحل، مع توظيف حاجة الشرع للدعم الأميركي والخليجي للبقاء وإعادة الإعمار كورقة ضغط لتوجيه سلوكه، على أن تكون واشنطن صاحبة الكلمة في "رسم الطريق".
أما في لبنان، فيحذر التقرير من أن الفرصة ما تزال متاحة، لكن لفترة قصيرة، أمام إسرائيل للتوصل إلى اتفاق تطبيع مع بيروت يتضمن نزع سلاح "حزب الله". ويرى أن العمليات العسكرية الإسرائيلية التي تعيق إعادة بناء قدرات الحزب منحت الحكومة اللبنانية فرصة للمطالبة بنزع سلاحه، إلا أن إيران تعمل على إعادة ترميم قوته، ما يستدعي الإسراع قبل إغلاق "نافذة الفرص"، مع طرح دور أميركي مباشر لدعم الجيش اللبناني والإشراف اللصيق على عملية النزع.
تغيير العلاقة بين إسرائيل وأميركا
ويختتم التقرير بالتأكيد على ضرورة انتقال إسرائيل من موقع "الدولة المدعومة" إلى "الشريك الاستراتيجي" لواشنطن، عبر صياغة مذكرة تفاهم جديدة تشمل تطوير قدرة دفاعية مشتركة وإزالة القيود التجارية وتعميق الإنتاج الصناعي والتكنولوجي داخل البلدين، بما يعزز الاندماج الإسرائيلي في برامج البحث والتطوير الأميركية. كما يوصي بانضمام إسرائيل إلى تحالف "العيون الخمس" الاستخباراتي، بما يعزز قدراتها ويرفع مكانتها السياسية في الشرق الأوسط وعلى الساحة الدولية.
