أكد مصدر عسكري خاص لـ"المدن"، أن تركيا تنوي إنشاء قواعد عسكرية لها في مناطق محددة داخل الأراضي السورية، مشيراً إلى زيارة وفود عسكرية تركية بشكل شبه أسبوعي إلى دمشق والاجتماع مع وزارة الدفاع التركية ومسؤولين عسكريين بهذا الخصوص.
وقال المصدر العسكري الخاص (فضّل عدم ذكر اسمه): "إن الوفود العسكرية التركية لا تغادر سوريا وهي تأتي بشكل أسبوعي إلى سوريا، وتحديداً إلى وزارة الدفاع السورية وهيئة التدريب في الوزارة نفسها، بهدف مناقشة إنشاء البنية التدريبية اللازمة للجيش السوري".
وأضاف: "تركيا عيّنت ملحقاً عسكرياً لها في سوريا، مهمته رفع تقارير عسكرية يومية لبلاده، حول أبرز التطورات العسكرية في سوريا".
توزيع القواعد
وعن أماكن توزع القواعد العسكرية المحتملة، أشار إلى أن تركيا لها قاعدة عسكرية بمطار كويرس، وهي أساسية بالنسبة لها لسببين: احتمال عمل عسكري ضد "قسد" في أي وقت، كونها مزودة بكل شيء وبكافة الاختصاصات العسكرية، والسبب الآخر لكي تكون منطلقاً لإنشاء قواعد عسكرية أخرى تتماشى مع القوانين الدولية، وفق قوله.
وذكر أن من بين المناطق التي يجري الحديث عن تخصيص قواعد عسكرية لتركيا فيها مطار الشعيرات وفي القريتين وفي تدمر والسخنة ومنطقة البادية بريف حمص الشرقي، وفي جنوب دمشق في منطقة قطنا (نقاط مراقبة عسكرية تركية فقط).
وأكد أن إنشاء القواعد تحتاج إلى الكثير من التوافقات وخاصة من أميركا، لذلك ربما يحتاج الأمر إلى نحو 6 أشهر حتى تتضح الصورة بشكل كامل، وفق تقديراته.
دعم الحكومة السورية
وحسب المصدر العسكري، فإن التنسيق العسكري التركي يتماشى مع الحكومة السورية بالتوازي مع الجانب السياسي الداخلي والخارجي بنفس الوتيرة، حيث تحرص تركيا وتدعم مساعي الحكومة السورية في طريقها لتوحيد البلاد والانتهاء من ملفي السويداء و"قسد"، و"قسد" بشكل خاص لما يشكله من تهديد للأمن القومي التركي.
وفي السياسة الخارجية تدعم تركيا كل الإجراءات المتعلقة بدمج الدولة السورية ضمن المنظومة الأمنية الخاصة في المنطقة والتي يمثلها التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وللعاملين السابقين تعمل تركيا على إنشاء قواعد لها في سورية مستفيدة من تجاربها السابقة، حيث عملت على انشاء قاعدة في مطار كويرس وزودتها بمنظومة دفاع جوي، وهذه القاعدة لن تكون الأخيرة بل سيعقبها قواعد أخرى يتم إنشاؤها بما يتماشى مع مواقف الأطراف الإقليمية وعلى رأسها الكيان الإسرائيلي، والدولية وعلى رأسها أميركا التي تريد أن تكون سوريا حجر أساس في تحالفها الأمني والعسكري في المنطقة.
يشار إلى أن نائب وزير الخارجية التركي وسفير أنقرة لدى دمشق، نوح يلماز، قد صرّح مؤخراً في مقابلة مع قناة "TRT عربي" أن "سوريا تمثل القضية الاستراتيجية الأولى لتركيا حالياً"، مشدداً على أن "استقرار سوريا ووحدة أراضيها شرطٌ لا غنى عنه لاستقرار المنطقة بأسرها".
تراجع الدور الأميركي
وأضاف أن الملف السوري يحتوي على أبعاد متعددة تشمل مكافحة الإرهاب، والمخدرات، والأمن الحدودي، وتدفقات اللاجئين، فضلاً عن الجوانب العسكرية والاستخباراتية.
ورغم الحذر المتبادل، ترى مصادر دبلوماسية مطلعة أن ثمة "إرادة سياسية مشتركة" بين سوريا وتركيا للتوصل إلى تفاهم حول ملف إقامة قواعد عسكرية تركيا في سوريا، خصوصاً في ظل تراجع الدور الأميركي شرق سوريا، وتخوفات دمشق من بقاء التنظيمات الكردية المسلحة، التي تصنّفها تركيا "إرهابية"، على طول حدودها الجنوبية.
من جهته، قال العميد الطيار، عبد الهادي ساري في حديث لـ"المدن": "إن موضوع الزيارات العسكرية المتبادلة بين الجانبين التركي والسوري يُعدّ في جوهره زيارات بروتوكولية، لكنها في الوقت نفسه تُصنَّف كزيارات عمل تهدف إلى بحث سبل تطوير الجيش السوري، بما في ذلك إمكانية تطوير برامج تدريبية، كما قد يتناول الوفد العسكري التركي المشارك مع نظيره السوري موضوع إنشاء قواعد عسكرية تركية داخل الأراضي السورية".
أمن سوريا من أمن تركيا
ورأى أن وجود هذه القواعد يعكس مصالح مشتركة بين الطرفين: "أما بالنسبة للمصلحة التركية، فهي واضحة: تتمثل في مواجهة التهديدات الإرهابية التي تستهدف أمن تركيا، أو في صون أمنها القومي بشكل عام، وبنفس المنطق، عندما تُنشئ الولايات المتحدة قاعدة (إنجرليك) في تركيا، فإن هدفها هو مواجهة التهديدات التي تستهدف مصالحها أو أمنها، لذا فإن تركيا قد تتعامل مع القواعد العسكرية التي تُقام في سوريا كوسيلة لحماية مصالحها، تمامًا كما تفعل الدول الأخرى، أما من ناحية الطرف السوري، فإن الفائدة تكمن في وجود قوة عسكرية حقيقية يمكن الاعتماد عليها لتقديم الدعم عند الحاجة".
وأضاف أنه: "فيما يخص موقع هذه القواعد داخل سوريا، فمن المرجّح أن يتركّز وجودها في الشمال السوري، نظراً للظروف الجيوسياسية واللوجستية هناك، وبالطبع، لن تكون هذه القواعد على غرار القواعد الكبرى مثل (إنجرليك) في تركيا أو (العديد) في قطر، لكنها قد تأخذ شكل قواعد صغيرة نسبياً، موزَّعة على مناطق الشمال السوري، وربما تتضمّن بعض المطارات العسكرية الحالية كمطار حماة أو مطار الشعيرات، أو مواقع عسكرية أخرى يتم تأهيلها لهذا الغرض".
وختم بأن: "وجود قواعد عسكرية تركية في الأراضي السورية ليس استثنائياً، بل هو أمر طبيعي وذي أهمية بالغة، ويمكن التعامل معه بجدية كعنصر داعم لسيادة الدولة السورية وأمنها، شرط أن يُنظّم ذلك عبر اتفاقيات واضحة تُحدّد صلاحيات هذه القواعد ودورها في الدفاع عن الأراضي السورية".
ضامن أمني
ويرى مراقبون، أن الدوافع التركية من وراء هذا التحرّك لإنشاء القواعد العسكرية في سوريا متعددة: أولاً، تسعى أنقرة لترسيخ نفسها كـ"ضامن أمني" في سوريا الجديدة، في وجه النفوذ الإيراني والروسي مستقبلاً، وربما كمنافس غير مباشر للولايات المتحدة، وثانياً، تهدف إلى تحييد تهديد التنظيمات الكردية، لا عبر شنّ حملات عسكرية مكلفة، بل عبر اتفاقات أمنية تسمح لها بمراقبة الحدود من الداخل، وثالثاً، هناك بعد اقتصادي واضح: فتوحيد الجغرافيا العسكرية يفتح الباب أمام روابط تجارية ومشاريع إعادة إعمار تشارك فيها شركات تركية.
أما بالنسبة للحكومة السورية، فإن القبول بأي وجود تركي يظل محفوفاً بالمخاطر، لكنه قد يكون ثمناً تدفعه مقابل خروج القوات الكردية من مناطق استراتيجية، أو لاستعادة نوع من الوجود السيادي في مناطق فُقدت منذ سنوات.
كما أن تركيا عرضت، عبر سفيرها الجديد نوح يلماز، مساعدتها في "إعادة بناء الجيش السوري"، وهو ما قد يشمل إعادة التدريب والتسليح، ما يخدم النظام في مواجهة التحديات الأمنية الداخلية.
