أفادت مصادر مطلعة لقناة "الجزيرة" أن اتصالات مكثفة يجريها الوسطاء مع حركة "حماس" وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، بهدف وضع آلية ميدانية تضمن خروج مقاتلي "حماس" من المناطق الواقعة خلف "الخط الأصفر" في قطاع غزة، تجنباً لوقوع احتكاكات قد تهدد اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين الجانبين.
وبحسب المصادر، فإن المساعي الحالية تركز على تأمين ممرات آمنة تسمح بانسحاب مقاتلي الحركة العالقين في جيوب خلف خطوط تموضع القوات الإسرائيلية، على أن يتم ذلك بمرافقة سيارات تابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر، وضمن مسارات محددة ومتفق عليها مسبقاً، بما يمنع أي احتكاك مباشر أو اشتباك مفاجئ قد يُفهم كخرق للاتفاق.
وقالت المصادر إن الوسطاء ـ وهم قطر ومصر وتركيا والولايات المتحدة ـ حصلوا على موافقة "حماس" على الترتيبات المقترحة لخروج المقاتلين، بينما لا تزال الآلية تنتظر موافقة رسمية من حكومة الاحتلال قبل بدء تنفيذها ميدانياً. وأشارت إلى أن الوسطاء نقلوا "مخاوف حقيقية" من أن يؤدي تأخر الانسحاب أو أي مواجهة موضعية إلى إرباك المرحلة الأولى من الاتفاق، وربما تعطيل الانتقال إلى المرحلة التالية.
مناطق فصل مؤقتة
وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن في 10 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بدء تنفيذ عملية انسحاب من عمق محافظات قطاع غزة إلى ما يُعرف بـ"الخط الأصفر"، وهو خط انتشار جديد نصت عليه المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة قطرية-مصرية-تركية-أميركية مشتركة.
ويقضي الخط الأصفر بإعادة انتشار قوات الاحتلال إلى خطوط تمركز تُبقيها داخل القطاع ولكن بعيداً عن مراكز المدن والمخيمات المكتظة، لخلق مناطق فصل مؤقتة، على أن يجري لاحقاً ـ في المرحلة الثانية ـ تخفيف الوجود العسكري الإسرائيلي بصورة تدريجية مقابل تنفيذ بنود تتعلق بتبادل الأسرى، وإعادة العمل بالمرافق الحيوية، وتوسيع الممرات الإنسانية.
وبحسب الخرائط الرسمية للانسحاب التي جرى نشرها آنذاك، فإن جيش الاحتلال سيبقى مسيطراً خلال المرحلة الأولى على ما يقارب 50 في المئة من مساحة القطاع، بما يشمل محاور رئيسية تمتد من شمال غزة ووسطها حتى جنوبها، فضلاً عن الإبقاء على ممرات عسكرية تربط مناطق تموضع القوات ببعضها البعض.
إشكالية "الفراغ الميداني"
وكشفت مصادر دبلوماسية لوسائل إعلام عربية أن التعقيد الحالي يتعلق بوجود مجموعات من مقاتلي "كتائب القسام" وفصائل فلسطينية أخرى داخل مناطق انسحبت منها القوات الإسرائيلية أو يفترض أن تنسحب منها، ما قد يخلق "فراغاً ميدانياً" يسمح باحتكاكات غير مقصودة، أو يفتح المجال أمام روايات متضاربة عن خرق الاتفاق.
وذكرت المصادر أن إسرائيل أبلغت الوسطاء بتحفظات تتعلق بعدم رغبتها في الظهور كأنها منحت "ممر آمن" لمقاتلي "حماس"، خشية أن يُفسر ذلك على أنه اعتراف ضمني بشرعية وجودهم العسكري خلال المرحلة الانتقالية، بينما شدد الوسطاء على أن تنظيم عملية خروج المقاتلين إجراء "ضروري وحاسم" لضمان استقرار التهدئة.
وسط ضغوط إنسانية وقلق دولي
تأتي هذه التطورات وسط تحذيرات دولية من هشاشة الهدنة، ودعوات أممية بضرورة إزالة العوائق أمام العمل الإغاثي وعودة المدنيين إلى مناطقهم. وتعتقد الأطراف الوسيطة أن نجاح ترتيبات الخروج سيكون اختباراً مبكراً لمدى التزام الطرفين بآليات تنفيذ الاتفاق، بعد أشهر من القتال الذي خلف دماراً واسعاً وأوضاعاً إنسانية بالغة القسوة في القطاع.
وفي حال موافقة إسرائيل، من المتوقع أن يبدأ تنفيذ آلية الانسحاب المنظم خلال أيام، على أن تُراقب العملية ميدانياً عبر قنوات اتصال مشتركة يشرف عليها الوسطاء، تجنباً لأي خلاف حول تفسير تفاصيل الاتفاق أو تطبيقه على الأرض.
