مديريات الإدارة المحلية في سوريا: لامركزية تجميلية!

حلب - خالد الخطيبالجمعة 2025/10/31
النعمان (المدن)
جدل واسع حول قرار تحديد مهام وصلاحيات المديريات العامة الجديدة بسوريا (المدن)
حجم الخط
مشاركة عبر

أثار القرار الأخير الصادر عن وزارة الإدارة المحلية والبيئة السورية، والقاضي بتحديد مهام المديريات العامة الجديدة للإدارة المحلية في المحافظات وصلاحياتها، جدلاً واسعاً حول طبيعة التوجه الإداري الذي تسعى إليه الحكومة السورية. فهل هو ترسيخ فعلي لمبدأ اللامركزية الإدارية كما يروج، أم إعادة إنتاج للمركزية بأسلوب جديد؟


هيكلة جديدة 
بموجب القرار الصادر في 28 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، حُدّدت مهام المديريات العامة للإدارة المحلية والبيئة في المحافظات وصلاحياتها، إضافة إلى مهام المديرين العامين والمديريات الفرعية ومديريات المناطق، ويشير القرار إلى أن هذه المديريات ترتبط بالمحافظ إدارياً، وبوزير الإدارة المحلية والبيئة فنياً، وهذا ما يعني أن المحافظ يبقى المرجعية الأولى لكل ما يتعلق بملف الإدارة المحلية على المستوى التنفيذي.
وتضم الهياكل الجديدة وحدات تنظيمية تشمل قطاعات النقل الداخلي، والخدمات الفنية، والمناطق الصناعية والحرفية، والتخطيط الإقليمي، والمجالس المحلية، والتنمية المحلية، والنظافة وإدارة النفايات الصلبة، وغيرها من القطاعات الحيوية التي تمس الحياة اليومية للسكان.
ووفقاً لنص القرار، تتولى المديريات العامة الجديدة مجموعة من المهام تشمل تعزيز مبدأ اللامركزية، وتفعيل دور الوحدات الإدارية في تقديم الخدمات العامة بكفاءة، وتطوير الخطط البيئية والتنموية، وإعداد الموازنات السنوية، ومتابعة تنفيذ المشاريع الاستثمارية والخدمية في المحافظات، كما تتيح لها اللوائح دراسة المخططات التنظيمية وتدقيقها، ومراقبة الإنفاق المالي، وإدارة شؤون العاملين، والمشاركة في إعداد الخطط الإقليمية والمكانية، إلى جانب تنظيم النقل الداخلي واقتراح إنشاء شركات محلية للنقل والخدمات، إلا أن معظم هذه الصلاحيات مرتبطة بقرارات المحافظ أو الوزير مباشرة، وهذا ما يطرح تساؤلات حول مدى استقلالية تلك المديريات، وقدرتها على اتخاذ قرارات محلية حقيقية بمعزل عن السلطة المركزية. 
وقالت مصادر متابعة للشأن الإداري في سوريا لـِ "المدن" إن القرار الجديد الصادر عن وزارة الإدارة المحلية والبيئة لا يمت بصلة إلى اللامركزية الحقيقية التي تروّج لها الحكومة، ووصفت الخطوة بأنها "قناع لامركزية يخفي وراءه مزيداً من المركزية".
وأضافت أن "المحافظ سيصبح بموجب هذه الهيكلية الجديدة أشبه بوالي يمتلك سلطة القرار في كل الملفات، في حين تحولت المديرية العامة إلى بديل عن مجلس المحافظة، من دون أيّة صلاحيات حقيقية على الأرض". وأوضحت أن "المهام الممنوحة للمديريات في القرار لا تتضمن أيّة سلطات تنفيذية؛ بل تقتصر على اقتراح الخطط وإبداء الرأي وإعداد التقارير ورفعها إلى الوزارة، وهو ما يعني عملياً أن القرار بيد المركز فقط".
وتابعت المصادر: "حتى البلديات صودرت صلاحياتها لمصلحة الوزارة والمديرية العامة، وهذا ما يجعل هذا القرار تعزيزاً واضحاً للمركزية لا خطوة باتجاه اللامركزية". ووصفت الخطوة بأنها عودة إلى ما قبل القانون 107 للعام 2011، واستطردت: "نحن أمام ارتداد إداري للوراء، فبدلاً من توسيع المشاركة المحلية والتمكين الإداري والمالي للوحدات، يجري الآن تقليص صلاحياتها على نحوٍ كامل".


لامركزية تجميلية 
يمنح المدير العام للإدارة المحلية في المحافظة صفة نائب المحافظ لشؤون الإدارة المحلية والبيئة، لكنه يبقى خاضعاً لتوجيهات المحافظ والوزير، فهو يشرف على تنفيذ الخطط والسياسات، ويرفع المقترحات إلى المستويين الأعلى لاعتمادها، من دون أن يمتلك صلاحية اتخاذ القرار النهائي.
وتمتد صلاحيات المديريات الفرعية ومديريات المناطق إلى متابعة أعمال الوحدات الإدارية الواقعة ضمن نطاقها الإشرافي، لكن دورها ينحصر في المتابعة والتنفيذ ورفع التقارير، وليس اتخاذ المبادرات أو اعتماد المشاريع على نحوٍ مستقل، حتى في القضايا المالية، يلزم القرار تلك الوحدات برفع الموازنات والمقترحات إلى المديرية العامة، ثم إلى الوزارة، وهذا ما يجعل السلطة المالية والإدارية بيد المركز لا الأطراف.
في حديثه لـِ "المدن"، قال رئيس مجلس مدينة حلب السابق، بريتا حاجي حسن، إنَّ "الوثيقة التي صدرت عن وزارة الإدارة المحلية والبيئة ليست تطبيقاً لمبدأ اللامركزية كما يروج؛ بل استمرار واضح للمركزية بأسلوب جديد". وأوضح أنَّ "جميع الصلاحيات في القرار مرتبطة بالمحافظ أو الوزير، فالمديريات والفروع مجرد جهات تنفيذية ترفع المقترحات ولا تملك القرار".
وأضاف حاجي حسن: "العبارات المتكررة في نصّ القرار مثل (بناء على توجيه المحافظ أو الوزير) و(ترفع المقترحات إلى الوزارة لاعتمادها) و(تسند المهام من قبل المحافظ أو الوزير) تؤكد أن المديرية لا تملك قراراً ذاتياً؛ بل تنتظر الإذن من الأعلى"، وأشار إلى أن التمويل والتخطيط بقيا بيد المركز، وهذا ما يعني أنه لا يوجد استقلال مالي أو إداري حقيقي للوحدات المحلية، "حتى مهام النظافة وإدارة النفايات"، يضيف حاجي حسن، "أُسندت إلى المديرية العامة تحت إشراف المحافظ، في حين جردت البلديات من أملاكها وصلاحياتها الأساسية".
ورأى أن المجتمع المحلي مغيب تماماً عن منظومة الإدارة الجديدة؛ إذ تقتصر الأدوار على توجيهات من الأعلى وتنفيذ من الأسفل، ليعود بذلك "نموذج الوالي الإداري" من جديد، على حد تعبيره، وخلص حاجي حسن إلى القول إن ما يسمى باللامركزية في الوثيقة الأخيرة "مجرد عنوان تجميلي لنظام إداري شديد المركزية"، لا يمنح أيّة سلطة حقيقية للمحليات، ولا يعترف بالمبادرة أو القرار المحلي المستقل. ويبدو أن التحدي الأكبر أمام هذا النظام الإداري الجديد يكمن في قدرته على التحول من بيروقراطية تقليدية محكومة بالمركز، إلى نموذج فعلي من الإدارة المحلية التشاركية، يكون فيه القرار والتمويل بيد المجتمع المحلي ومجالسه المنتخبة، لا بيد المحافظ أو الوزير.

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث