في وقتٍ تشهد فيه مناطق الساحل السوري اعتقالاتٍ متسلسلة شملت ضباطاً ووسطاء ماليين وشخصيات مقربة من رجل الأعمال رامي مخلوف، عاد الأخير إلى الواجهة بخطابٍ مشحونٍ بدا فيه كمن يستجدي الحماية الروسية في مواجهة عزلةٍ داخليةٍ متزايدة، مستخدماً "خطاباً كونيا"ً يدمج بين التحذير من حربٍ عالمية و"نبوءاتٍ" عن تغير موازين القوى.
انهيار الشبكة الأمنية والمالية
وشهدت الأشهر القليلة الماضية سلسلة اعتقالات واسعة في الساحل السوري، طاولت شخصيات محسوبة على نظام بشار الأسد السابق، ضمن جهود أجهزة الأمن في محافظات اللاذقية وطرطوس لفض شبكات "فلول النظام" وإخضاعها للمسائلة. ومن بين الأسماء التي تم توقيفها، نمير بديع الأسد الذي اعتُقل في ريف اللاذقية بتهمة الاتجار بالمخدرات وتكوين عصابات منظمة.
كما ألقى الأمن العام القبض على مُقداد فتيحة، وهو قائد سابق في الحرس الجمهوري ويُعتقد أنه أسس "لواء درع الساحل"، ورد اسمه في سياق عمليات أمنية نهاية الـ2024 ومطلع 2025. وعاطف نجيب، الضابط الأمني السابق الذي يُعد من رموز النظام السابق، ومنذر عباس ناصر، قائد في "الدفاع الوطني"، وتم توقيفه في ريف اللاذقية بتهم ارتكاب مجازر ضد مدنيينهذه الحملة تعكس ما بدا أنه تفعيل من قِبَل أجهزة الأمن لتصفية أو احتواء ما تبقى من نفوذ النظام السابق في الساحل، وسط خلفية من اشتباكات وأعمال عنف متكرّرة في المنطقة.
رسائل ضمنية إلى الكرملين
وفي هذا السياق، نشر مخلوف تسجيلاً ومقالاً مطوّلاً قال فيه إن "العالم بأكمله على صفيحٍ ساخن، وملامح الحروب والانهيارات المالية قد بدأت"، محذراً من أن "الضغوط المستمرة على روسيا الاتحادية حُكماً ستؤدي إلى الانفجار"، وداعياً الغرب إلى "عدم العبث مع روسيا".
واعتبر أن الصور التي ظهر فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرتدياً الزي العسكري خلال التجارب النووية، "رسائل واضحة وصريحة، عنوانها: لا تختبروا صبرنا أكثر من ذلك".
ويحاول مخلوف في منشوره الأخير إعادة وصل الخيط مع موسكو بعد أن فقد حمايةً غير رسمية كانت تؤمنها بعض القنوات الروسية، خلال صراعه مع النظام منذ عام 2020. وبينما يصور نفسه كصوتٍ داعمٍ لروسيا في مواجهة الغرب، فإن نبرته الإنذارية تحمل استنجاداً مبطناً بدولةٍ كان يعتبرها "الضامن الأكبر" لمصالحه قبل انهيار إمبراطوريته المالية.
مصر في خطاب رمزي
وفي حديثه عن الشرق الأوسط، قال مخلوف إن "وقت خلط الأوراق قد حان، خصوصاً في بلاد الشام"، زاعماً إلى أن "الأشهر المقبلة حاسمة"، ومتسائلاً عما إذا كانت إيران ستتعرض لضربة نووية أو تُغلق مضائق الملاحة في مضيقي هرمز وباب المندب.
وفي ختام خطابه، وجه نداءً إلى المصريين قائلاً: "انتبهوا على جيشكم، وحافظوا عليه، فهناك من يريد تشويه سمعته ودس الفتن في صفوفه"، مضيفاً أن الجيش المصري هو "السند الوحيد للأمة العربية".
قراءة في المشهد
ويرى محللون أن خطاب مخلوف الجديد يحمل نزعة خلاص فردي أكثر من كونه قراءة سياسية. فبعد تفكيك شبكته في الساحل، يبدو أنه يعيد التموضع محاولاً التلويح بأن سقوطه قد يفتح ثغرة داخل "المعسكر الروسي" في سوريا.
لكن في المقابل، تلتزم موسكو صمتاً كاملاً تجاهه منذ أكثر من عامين، مع تركيزها على تنسيقها مع حكومة دمشق الرسمية ومؤسساتها المالية. وبينما يتحدث مخلوف عن "عصرٍ جديدٍ متعدد الأقطاب"، فإن واقعه الشخصي يبدو أحادي الاتجاه: انهيار داخلي لا يُنقذه الخطاب الكوني.
