تجاهل الرئيس الأميركي دونالد ترامب موجة الانتقادات الدولية المتصاعدة، وأعلن أن الولايات المتحدة ستستأنف التجارب النووية، في خطوة غير مسبوقة منذ أكثر من ثلاثة عقود، تثير مخاوف من تجدد سباق التسلح النووي بين القوى الكبرى.
وقال ترامب للصحافيين من على متن طائرة الرئاسة أثناء توجهه إلى بالم بيتش في ولاية فلوريدا، عندما سُئل عن طبيعة هذه التجارب وما إذا كانت ستشمل تفجيرات نووية تحت الأرض كما جرى خلال الحرب الباردة: "ستعرفون ذلك قريباً جداً، لكننا سنجري بعض الاختبارات". وأضاف "الدول الأخرى تفعل ذلك. إذا كانوا سيفعلون ذلك، فسنفعلها نحن".
وفي حين تجنب الرئيس الأميركي تأكيد ما إذا كانت هذه التجارب تشمل التفجيرات النووية التقليدية المحظورة منذ العام 1992، قال إنه لا يفكر في توجيه ضربات إلى فنزويلا، رداً على تقارير إعلامية تحدثت عن نية واشنطن القيام بعمليات عسكرية ضد نظام نيكولاس مادورو. وأجاب ترامب عندما سأله صحافي عن ذلك "لا".
وكان ترامب قد أعلن على منصة "تروث سوشال"، أنه "بسبب برامج الاختبار التي تقوم بها دول أخرى، وجهت وزارة الحرب ببدء اختبار أسلحتنا النووية على قدم المساواة"، مؤكداً أن الاختبارات ستُستأنف "فوراً"، وأن بلاده تمتلك "أسلحة نووية أكثر من أيّة دولة أخرى".
وكان ترامب قد أقر سابقاً بتفويض وكالة الاستخبارات المركزية، بتنفيذ عمليات سرية في الأراضي الفنزويلية، متحدثاً عن "ضربات محتملة تستهدف كارتلات مخدرات إرهابية"، وهذا ما أثار قلق كراكاس من أن يكون الحشد العسكري الأميركي في المنطقة مقدمة لتغيير النظام.
عرض قوة قبيل لقاء مع شي جين بينغ
وجاء إعلان ترامب المقتضب بعد لقائه نظيره الصيني شي جينبينغ، في مدينة بوسان الكورية الجنوبية، أمس الخميس، في سياق ما يبدو عرضاً للقوة ومؤشراً على تشديد مواقفه إزاء كل من بكين وموسكو. ويرى مراقبون أن ترامب يسعى لتوظيف الخطوة في الضغط على الكرملين، بعد أن رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التجاوب مع مبادراته لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
ودافع وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث عن القرار، قائلاً خلال مؤتمر صحافي في كوالالمبور عقب لقائه نظيره الصيني دونغ جون: "كان الرئيس واضحاً، يجب أن يكون لدينا ردع نووي موثوق... استئناف التجارب هو خطوة مسؤولة إلى حد ما".
وفي واشنطن، أوضح نائب الرئيس جي دي فانس، أن الهدف من استئناف الاختبارات، هو "ضمان عمل الترسانة النووية على نحوٍ صحيح"، من دون أن يقدم تفاصيل حول طبيعة التجارب أو مواعيدها. وقال للصحافيين: "لدينا ترسانة ضخمة، وكذلك الروس والصينيون يجب أحياناً اختبارها للتأكد من جاهزيتها، فهذا جزء من أمننا القومي".
وتشير بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام "SIPRI"، إلى أن روسيا تتصدر العالم بـِ 5489 رأساً نووياً، تليها الولايات المتحدة بـِ 5177، ثم الصين بـِ 600 رأس نووي.
انتقادات دولية واسعة
وتواصلت، الإدانات الدولية لقرار ترامب، الذي أعاد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة. وعبر المتحدث باسم الأمم المتحدة عن موقف الأمين العام أنطونيو غوتيريس، مؤكداً أن "التجارب النووية لا يمكن السماح بها تحت أي ظرف"، ومذكراً بأن الولايات المتحدة وقعت في العام 1996 على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية التي تحظر جميع التفجيرات النووية سواء لأغراض عسكرية أو مدنية.
من جهتها، دعت الصين على لسان المتحدث باسم خارجيتها غوو جياكون، واشنطن إلى الالتزام "على نحوٍ جدي" بالحظر العالمي المفروض على التجارب النووية، مؤكدةً أن مثل هذه الخطوات "تضر بالاستقرار الدولي".
أما إيران فوصفت القرار بأنه "خطوة رجعية وغير مسؤولة"، وكتب وزير خارجيتها عباس عراقجي على منصة "إكس": "متنمر مسلح نووياً يستأنف تجارب الأسلحة النووية... وهو نفسه من يشيطن برنامج إيران النووي السلمي".
وانتقدت مجموعة "ناجون من القنبلة النووية" اليابانية الحائزة جائزة نوبل للسلام القرار الأميركي، معتبرةً أنه "يتناقض تماماً مع الجهود الدولية الرامية إلى بناء عالم خالٍ من الأسلحة النووية"، ووصفته بأنه "غير مقبول على الإطلاق".
ردود روسية وتحذيرات متبادلة
وفي موسكو، تساءل المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، عما إذا كان ترامب "يعلم حقاً بالأنشطة العسكرية الروسية"، نافياً أن تكون التجارب الأخيرة لصاروخي "بوسيدون" و"بوريفيستنيك"، اختبارات نووية بالمعنى التقليدي. لكنه ألمح إلى أن روسيا "لن تتردد في إجراء تجارب مماثلة إذا ما أقدمت واشنطن على هذه الخطوة".
وبالرغم من تصعيد النبرة، كرر ترامب تأكيده أنه يريد التفاوض مع روسيا والصين بشأن خفض الترسانات النووية، معتبراً أن "نزع السلاح النووي سيكون إنجازاً هائلاً"، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن الولايات المتحدة "لن تتأخر عن أيّة دولة في ميدان الردع النووي".
آخر تجربة نووية أميركية
وأجرت الولايات المتحدة 1054 تجربة نووية منذ أول اختبار في العام 1945 في نيو مكسيكو، وحتى آخر تجربة في أيلول/ سبتمبر 1992 في موقع نيفادا للأمن النووي، حين أمر الرئيس جورج بوش الأب بوقف التجارب واستبدالها بمحاكاة حاسوبية متقدمة. ومنذ ذلك التاريخ، التزمت الإدارات الأميركية المتعاقبة بهذا الحظر حتى إعلان ترامب اليوم، الذي يعيد فتح فصل نووي جديد في التاريخ العسكري للولايات المتحدة والعالم.
