نشر موقع المطبوعة الروسية الإلكترونية الإستقصائية المعارضة "Verstka" في 28 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، تحقيقاً مطولاً عما يجري في صفوف الوحدات العسكرية الروسية على خطوط جبهة القتال في أوكرانيا.
إعدامات ميدانية
واستهلت المطبوعة تحقيقها بالإشارة إلى أن العسكريين الروس كانوا منذ السنة الأولى للحرب يتحدثون عن عمليات إعدام بدون محاكمة للجنود الروس بسبب رفضهم اقتحام التحصينات، أو لشربهم الخمر في الخنادق. لكن بحلول العام 2025 أخذت عمليات الإعدام والتعذيب تتوسع، وأصبحت تتم بسبب الخلافات الشخصية بين العسكريين وقادتهم، وكذلك بسبب عدم دفع الخوة للقيادة.
ونقلت المطبوعة عن جندي ينادونه باسم "كورغان" (الأسماء وهمية بالطبع) أن فتى من فصيلته تعرض لضرب رأسه بالأرض حتى الموت لأنه شرب الفودكا بعد مهمة قتالية. وقد بقي الفصيل شهراً على المواقع الأمامية بدون ماء أو طعام. يقول كورغان: "اللعنة، لقد شربنا ماء البرك، ونمنا في الماء والوحل. وخرجنا للاستراحة، وجميعنا رجال ناضجون، حسناً، شربنا قليلاً، وبدأوا يوبخوننا كالجراء. لكن اللعنة حلت على الفتى".
يواصل كوغان سرده: ”بدأ القائدان كيمر ودودكا بضرب رفيقه وهشما رأسه بلوح خرساني، ثم ألقياه في حفرة. كان يحتضر هناك، كان شيءٌ ما يتسرب من رأسه، ورغوةٌ تخرج من فمه، وكان يتشنج. ثم أمرهم أكولا بإطلاق النار عليه.
المصفرون
تنشر"Verstka" صور القادة كيمر، دودكا وأكولا، وتحدد أسماءهم وأعمارهم ومن أيّة منطقة روسية قدموا إلى الجبهة. وتنقل عن كورغان قوله بأن وحدة الاقتحام تتشكل على نحوٍ رئيس من السجناء السابقين ومن يسمونهم "المخربين". وهو نفسه تمكن من الحصول على تسريح من الخدمة العسكرية بعد إصابته بجروح، ويقول بأنه مستعد لقول ما يعرفه عمن يقومون بالإعدامات ويسمونهم "المصفرين" من الرقم صفر.
و"المصفرون" هم القادة والعسكريون الذي يقومون بعمليات الإعدام. وهذه ليست فقط عملية قتل بالإعدام بالرصاص أو التعذيب حتى الموت؛ بل هي أيضاً أوامر بإرسال الجنود إلى وحدات "اقتحام الموت"، من دون أسلحة أو دعم أو معدات. وتقول المطبوعة بأنها جمعت معطيات عن المئات من هؤلاء "المصفرين" الجلادين.
وتنقل المطبوعة عن جريح في المستشفى من فصيلة الجندي كوغان عينها قوله بأنه يخشى الكلام، لأن المقاتلين من خطوط التماس "يصفرونهم" في حال تعبيرهم عن الاستياء أو الشكوى لذويهم أو للنيابة العامة العسكرية. كما تنقل عن عسكريين قولهم بأن "التصفير" ليس القتل المباشر فقط، والطريقة الشائعة للتخلص من الجندي المشاكس هي عبر إرساله إلى عملية اقتحام يستحيل تقريباً العودة منها حياً، وعادة بدون سلاح وبدون سترة واقية من الرصاص.
تقول المطبوعة أن هذا الشكل من "التصفير" شائع في الكثير من التشكيلات التابعة لوزارة الدفاع. وتذكر بعضاً من هذه التشكيلات وأرقامها وأماكن انتشارها في مناطق القتال. ونشرت صورة أحد الجلادين إلى جانب وزير الدفاع أندريه بيلوؤسوف وهو يضع على صدره وسامي "بطل روسيا" و "بطل جمهورية دانتسك الشعبية" غير المعترف بها. وهذا "البطل" هو إيغور إيستراتي المعروف بلقب "سعيد" الذي يقول العسكريون بأنه يصدر شخصياً الأوامر بالإعدامات ويشجع على التعذيب.
كشف مواقع الأوكران
تحدثت المطبوعة عن سبب رفض الاقتحام، وتنقل عن مجند في فيلق مؤلل قوله بأن أولئك الذين كانوا يرفضون اقتحام المواقع الأوكرانية الحصينة، كان يأمر القائد سومراك بإطلاق النار عليهم مواجهة، ورمي جثثهم في النهر المجاور مع السترة الواقية من الرصاص لكي لا تطفو جثثهم على سطح المياه. كما تحدثت عن شكل آخر للإعدام أفصح عنه الجندي فيكسا الذي رفض في حزيران/ يونيو الماضي أن يكشف مواقع تمركز الأوكران، ذلك بالخروج من الخندق والركض باتجاه العدو لكي يطلق هذا النار عليه ويكشف مواقعه.
وفرصة النجاة الوحيدة المتاحة في هذه الحالة، هي أن يصاب الجندي ويقع في أسر العدو. وحين رفض فيكسا تنفيذ هذه المهمة، أمر القائد بتعذيبه، ثم أطلق النار عليه بنفسه. وقد أُبلغ ذوي فيكسا بأنه غادر الوحدة العسكرية بدون إذن.
تقول المطبوعة أن بعض وحدات الإقتحام والوحدات المؤللة التي يكثر فيها عدد المتخلفين عن العملية، إضافة إلى وحدات الإعدام والقناصين، تستخدم الطائرات المسيرة للتخلص من المخالفين للأوامر. وتنقل عن أحد العسكريين قوله بأن قائد وحدته أمر مشغلي الطائرات المسيرة بإلقاء قنابل يدوية على جنوده المخالفين. وهم يهددون مشغلي هذه الطائرات، ويبقون فوهة البندقية الرشاشة مصوبة إلى روؤسهم.
تعذيب حتى الموت
كما تحدثت المطبوعة عن التعذيب حتى الموت في الحفر والأقبية، الذي يعتبر أحد أشكال "التصفير". والحفرة المعنية هي على عمق وعرض مترين وتغطيها شبكة معدنية، وتُملأ بالمياه الباردة حتى الشبكة. ومن يُرمى فيها ثم يُسحب منها بعد ساعات، يبقى على قيد الحياة، لكن مع التهاب في الرئتين أو الكلى. ويتوقف الأمر على مزاج القائد في إرسال المعاقب إلى المستشفى، أو إعادته إلى الجبهة حيث يموت من تفاقم التهاب الرئتين أو القصور الكلوي.
ومن أشكال "التصفير" في الحفرة، حين يطلب عسكريان اثنان غير مرغوب بهما من قائد الوحدة إذناً بالخروج، يأمر الأخير الاثنين بالتعارك في الحفرة حتى الموت، ومن يبقى على قيد الحياة ينال الإذن، أما جثة القتيل فتُرمي خارج الخندق، ويطلق عليها رشق رصاص للإيهام بأن صاحبها قتل في المعركة مع الأوكران.
الامتناع عن الدفع
أحد أشكال "التصفير" الذي تتحدث عنه المطبوعة ما تسميه "الامتناع عن الدفع". وتقول بأن القادة المصفرين يعرضون للبيع فرص تجنب الإقتحام، يطلبون رشوة، ويجاهرون بالابتزاز أو، وبكل بساطة، يسرقون مرؤوسيهم. فهم يحولون مرتبات الجنود المتعاقدين من بطاقاتهم المصرفية إلى حساباتهم. ومن يمتنع عن الدفع، يتم "تصفيره" بالطرق المذكورة أعلاه.
يتهم العسكريون القائد كاما بابتزاز ذوي العسكريين المفقودين. وقد حصلت المطبوعة على رقم هاتف كاما وتأكدت أنه عينور شريفولين من تتارستان. ويتهمه ذوي العسكريين بـ«الخروج على القانون، وابتزاز الأموال، وإرسال الجرحى في مهام قتالية». ويملك "كاما" ثروة طائلة، لدرجة أنه بنى لنفسه شقة في خنادق جبهة القتال. وقد نشرت إحدى المشاركات في دردشة حول اللواء 114 صوراً لـِ "المخبأ" الذي يعيش فيه كاما في الخنادق، على حد قولها. وتظهر صور "المخبأ" كأنه شقة من مبنىً جديد، قد شُيّد مؤخراً.
أما القائد الآخر كورورت، كورابك كورايف من داغستان، الذي أمر مشغلي الطائرات المسيرة بإلقاء القنابل اليدوية على عسكرييه الجرحى، فقد بنى له العسكريون غرفة استحمام قد يكون في إحدى شقتيه في إحدى مدن مقاطعة دانتسك. وهو يملك في المدينة متجرين للحاجيات العسكرية يبيع فيهما المساعدات الإنسانية التي يرسلها المتبرعون إلى الجبهة، على حد قول العسكريين كما تشير المطبوعة.
يذكر أن المطبوعة قد تأسست في أواخر نيسان/ أبريل العام 2022؛ أي بعد شهرين من شن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حربه على أوكرانيا، ولم تلبث أن حظرت السلطات صدور المطبوعة في روسيا في أواسط حزيران/ يونيو من العام نفسه. وتقول المكلفة بإدارة التسويق في المطبوعة بأن مؤسسي المطبوعة قد أخذوا بالاعتبار أمر الحظر منذ تأسيسها.
