خط الجبهة الروسي-الأوكراني.. هل يمكن تسويقه؟

عمّار الجنديالثلاثاء 2025/10/28
بوتين زيلينسكي
Getty
حجم الخط
مشاركة عبر

يستمر التجاذب الدبلوماسي حول صيغة الحل للقتال الدائر بين روسيا وأوكرانيا، منذ شباط/ فبراير 2022، فيما يسعى كل منهما للسيطرة على سردية الحرب تمهيداً للتحكم بمآلاتها. لم تتغير الحدود كثيراً منذ أواخر ذلك العام. ولا تدل المعطيات على الأرض على أن الحسم بات وشيكاً لصالح أي جهة.

وصل الروس إلى تخوم كييف بُعيد شباط 2022، آملين أن الهيمنة على أوكرانيا ستكون سهلة سهولة قضمهم شبه جزيرة القرم في 2014. إلا أن "اللقمة" كانت أكبر مما يستطيعون ابتلاعه، وبالكاد احتفظوا للآن بـ 20 في المئة من أصل الـ27 في المئة التي احتلوها أول الأمر. في هذه الأثناء يحاول الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقوة، تسويق تسوية تُبقي كل من الطرفين حيث هو حالياً. وإذا نجح في مسعاه الذي يلقي معارضة شرسة، خصوصاً من جانب موسكو، فأين خط الجبهة الذي سيصبح حدود أوكرانيا-روسيا الجديدة؟

 

أتوا من الشمال

ووفقاً لـ"معهد دراسات الحرب" الأميركي، الذي تُعتبر خرائطه المرجع الأساسي لتطورات الحرب على الأرض، فإن خط الجبهة يبدأ في قرية ميلوف في أقصى الشمال الشرقي من منطقة لوغانسك، ويتمدد في منطقة خاركيف، في قرى منها سترويفكا ودفوريتشنا وكيندراشيفكا، ومدينة كوبيانسك المهمة إقليمياً وإدارياً.

ثم يمضي الخط نفسه في منطقة دونيتسك، بالقرب من قرى في مقاطعة باخموت. وعاصمتها التي تحمل الاسم نفسه اشتهرت بسبب معاركها الدامية التي لم تهدأ تماماً بعد، ولم يستطِع الروس احتلال الجزء الأكبر منها حتى أواسط 2023. ويواصل الخط طريقه غرباً عبر مدن أبرزها سيفيرسك وتشاسيف يار، قبل مروره في مدينة كوستيانتينيفكا ذات الأهمية الاستراتيجية في مقاطعة كراماتورسك. ويتجه إلى مقاطعة بوكروفسك وهي تحمل اسم عاصمتها التي كان محورها العام الماضي، مسرحاً لقتال ضاري ونحو 100 اشتباك يومياً. وأهم المدن الواقعة على الجبهة في هذه المقاطعة، هي بيليتسكي ورودينسكي وميرنوغراد.

 

دونباس خط سيطرة روسيا
خط السيطرة الروسية في إقليم دونباس الأوكراني

 

المحطة التالية للخط الأول هي منطقة زابوريجيا. وتعد عاصمتها الواقعة على ضفاف نهر دنيبرو، والتي سميت المنطقة باسمها، من أهم المدن الصناعية في البلاد. كما أنها تحتضن أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا. بَسطَ الروس سيطرتهم عليها منذ ثلاث سنوات لكنها لا تزال على جبهة القتال. ويتجاوز مدينة هوليايبولي فقرية مالا توكماشكا التي يخرج عبرها من زابوريجيا ليدخل منطقة خيرسون. وهناك يمر ببلدات وقرى عدة قبل مدينة أوليشكي وبعدها وصولاً إلى مدينة خيرسون ذاتها الكبيرة في جنوب البلاد على البحر الأسود، وهي أولى المدن التي سقطت في يد القوات الروسية.

خط السيطرة الروسية في أوكرانيا
المناطق التي تسيطر عليها روسيا عسكرياً في أوكرانيا

 

"الحزام الحصين"

وإذ تحتل روسياً نحو 99 في المئة من لوغانسك و76 في المئة من دونيتسك، وتشكلان معاً إقليم دونباس في جنوبي شرق البلاد. كما تسيطر على نحو 70 في المئة من كل من منطقتي زابوريجيا وخيرسون، أي أن في قبضتها ما يقدر بـ114 ألفاً و493 كيلومتراً مربعاً، تعادل نحو 20 في المئة من مساحة أوكرانيا. ولم تتوقف محاولاتها منذ بدء الغزو لاستكمال احتلال المناطق الأربع (66 ألف و564 كيلومتراً مربعاً).

لكن دون تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي صعوبات وعقبات من أهمها "حزام حصين" الذي يمتد لمسافة 50 كيلومتر في غرب دونيتسك، والمؤلف من مدن وبلدات عصية على موسكو حتى الآن، أبرزها كراماتورسك وسلوفيانسك كوستيانتينيفكا دروجكيفكا. وهناك ما يشبه الإجماع بين المحللين الغربيين، على أن انتزاع الدونباس بكامله قد يستغرق سنوات. فهل تستطيع الفوز بالإقليم عن طريق التفاوض؟

 

حرب هجينة

من المستبعد أن ترضخ كييف لرغبة موسكو في سياق مساعي السلام التي يغلب عليها الغموض جرّاء تقلب مواقف ترامب من جهة، و تلويح روسيا باستعمال السلاح النووي لحماية "الخطوط الحمراء" من دون أن تفعل ما يزيد عن التشويش، من جهة ثانية. إلا أنها ترد بضربات سيبرانية في سياق صراع غير متكافئ يشتمل على انتهاك المجال الجوي لدول حلف الناتو، في خطوة قابلة للتطور إلى ما هو أخطر من الاستفزاز السلمي.

هكذا اخترقت مقاتلات روسية المجال الجوي لليتوانيا، بُعيد فرض أميركا عقوبات جديدة على روسيا الخميس الماضي، في الوقت الذي توعد فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برد "جدي للغاية، وربما ساحق"، أي نووي، محذراً من مغبة ضرب العمق الروسي بصواريخ "توماهوك" الأميركية التي تحاول كييف الحصول عليها من واشنطن. ويبدو أن ترامب خلُص إلى أن "نمر الورق" الروسي، غير مستعد لقبول التسوية ما لم يحصل على إقليم دونباس وزابوريجيا وخيرسون، وهو ما ترفضه كييف بشدة.

لكن حتى إن فرض ترامب هذا الحل، الأرجح أن السلام سيكون مؤقتاً، كما هي الحال في معظم الحروب التي يتباهى بإنهائها! فأوكرانيا لن تعترف بسيادة روسيا على شبرٍ من أراضيها، ولن تقتنع الأخيرة بالاكتفاء إلى آخر الزمن بما تحتله الآن. وقد يخمد اللهيب وتبقى جذوته كامنة بانتظار ما يكفي من الزيت لإضرامها في حرب قد تكون أخطر من هذه.

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث