محمد حبش: اللامركزية الإدارية "دواء أنجع" لمنع الاستبداد

أنيس المهناالاثنين 2025/10/27
محمد حبش (انترنت)
حبش يعبر عنتقديرهللانفتاحالسوريعلىموسكو
حجم الخط
مشاركة عبر

يحاول الدكتور محمد حبش، رئيس مركز دراسات الإخاء الإنساني، في مقابلة مع "المدن" أن  يبحث عن مخارج عملية للأزمة السورية من خلال إعادة الاعتبار للفقه الإسلامي كمنجمٍ للثراء والتنوع، وليس كمصدرٍ للتشدد.

وعبّر الدكتور حبش عن تشاؤمه من المسار السياسي الراهن، معتبراً أن مجلس الشعب الجديد لا يمثل إرادة السوريين، بل هو هيئة انتقالية. كما أبدى قلقه من انتكاس الخطاب الديني لصالح "سلفية متقعرة" تُقصي الأصوات المتسامحة،  ويطرحُ حبش رؤيته للخلاص: اللامركزية الإدارية كـ"دواء أنجع" لمنع الاستبداد، و"إخاء الأديان" كأساس لبناء المستقبل، مع دعوةٍ صادقةٍ للانتقال "من قداسة الماضي إلى قداسة المستقبل".

 

"الجمعية التأسيسية"

اختصر حبش  الفرق الجوهري بين الشريعة والفقه، معتبراً أن الشريعة هي نصوص الوحي الإلهي، بينما الفقه هو اجتهاد بشري تشكل عبر التاريخ. وأشار إلى سعة ومرونة التراث الفقهي الذي "يحتوي الشيء ونقيضه"، مما يجعل انتقاء المواقف منه انعكاساً لعقلية المنتقي.

وفي الشأن السياسي، شكك حبش في وصف المجلس الجديد بالبرلمان، معتبراً إياه "هيئة لمساعدة الرئيس" وأكثر ملاءمة بتسميته "الجمعية التأسيسية". كما وجه نقداً لعملية استبعاد أعضاء اللجنة الانتخابية التي أدت إلى حرمان ملايين السوريين من التمثيل، لكنه أبدى روحاً إيجابية باعتبار هذا المجلس مرحلة انتقالية تسبق انتخابات حقيقية تنصف إرادة الشعب كاملة.

 

"انتكاسة خطيرة "

ويعبر الدكتور حبش عن إحباطه الشديد من حالة الانتكاس التي يعيشها الخطاب الديني في سوريا، مشيراً إلى أن الدولة الجديدة غير معنية بتجديد هذا الخطاب، بل على العكس، تشهد سوريا صعوداً لما يسميه "السلفية المتقعرة". ويوضح أن هذا التيار يفرض هيمنته عبر التضييق على التيارات الصوفية والمتسامحة والعلمانية، محذراً من أن الثقافة السائدة لم تعد ثقافة مساواة، بل تحولت إلى ثقافة تمييز وتنمّر تطال كل الطوائف (العلوية، والدرزية، والإسماعيلية، والمرشدية، واليزيدية، والمسيحية) وكذلك التيارات الفكرية الأخرى. ويشدد حبش على أن السلفية نفسها أقليّة في سوريا، وأن تحول مشهد "أهل السنة" في نظر كثيرين إلى ما يشبه "الفاشية الجديدة" أمر لا يمكن قبوله، داعياً الدولة والمجتمع إلى العودة إلى "فقه المساواة" بين جميع المواطنين.

 

"اللامركزية لمنع الاستبداد"

إلى ذلك يرى الدكتور حبش في قانون اللامركزية الإدارية رقم 49 لعام 1957 الحل الأمثل لأزمة الثقة المتعمقة بين السوريين، والتي تفاقمت إلى الأحداث الأخيرة في الساحل والسويداء. ويؤكد أن اللحظة الراهنة تتطلب بشكل عاجل توسيع نطاق الحكم المحلي والسماح للمجتمعات بإدارة شؤونها ومواردها بنفسها، بعيداً عن فرض إدارات غريبة أو قوات عقائدية. ويشير إلى أن الإفراط في المركزية أثناء حكم النظام السابق، أدى إلى تقسيم سوريا فعلياً، معتبراً أن فرض نظام مركزي في ظل انعدام الثقة بين السوريين يكاد يكون مستحيلاً. ويقترح تطبيق نظام الإدارة المحلية لمدة خمس سنوات قادمة على الأقل كمرحلة انتقالية، على أن يبقى الجيش ووزارة الخارجية من اختصاص الحكومة المركزية، واصفاً اللامركزية بأنها "الدواء الأنجع والأكثر فعالية في منع الاستبداد".

 كذلك أكّد الدكتور محمد حبش ل"المدن" على ضرورة تجاوز النظرة التقليدية للتدخل الخارجي في سوريا، معتبراً أن البحث عن المصالح هو سلوك طبيعي للدول، وعلى سوريا أن تتمركز في موقع يحقق مصالحها دون الإضرار بمصالح الآخرين.

كما نفى صحة الفكرة التي تتصوّر أن دول الخليج تخشى الديمقراطية، مستشهداً بعلاقاتها الوثيقة مع دول ديمقراطية مثل بريطانيا وفرنسا، وكذلك تقاربها السابق مع لبنان الديمقراطي زمن الحريري. واعترف بأن بعض هذه الدول تتجه نحو الديمقراطية بخطى بطيئة تقدّم استقرار أنظمتها على الهدف الديمقراطي.

وشدّد حبش على أن اللغة الاتهامية لا تخدم سوريا، داعياً إلى بناء علاقات إيجابية وناضجة مع محيطها. وأعرب عن قناعته بأن التحول الديمقراطي المستقر في سوريا لا يسيء لأحد، وأن ما يخشاه الجوار التركي والخليجي هو عودة الإرهاب، وليس عودة الحياة السياسية المستقرة والتنافسية.

 

الدور الروسي: "درس في التسامح"

 كذلك يعبّر الدكتور حبش عن تقديره للانفتاح السوري نحو موسكو، رغم التاريخ الدامي الذي يربط روسيا بنظام الأسد، معتبراً أن السياسة لا تعرف أعداء أو أصدقاء دائمين. ويرى في هذه الخطوة "رسالة ملهمة" عن أولوية المصلحة الوطنية، ويتمنى أن ينعكس هذا "التسامح" الذي أبدته الدولة تجاه روسيابما في ذلك التعامل مع كبار أزلام النظام الموجودين هناكعلى الوضع الداخلي في سوريا. ويستغرب أنه بينما يتمّ التسامح مع الكبار من أزلام النظام السابق في الخارج، يتم الاستمرار في ملاحقة الصفوف الدنيا من النظام السابق داخل سوريا. ويطالب بضرورة إيقاف المحاكمات والانتقال إلى مرحلة المصالحات، والاعتذارات وبناء "سلم أهلي حقيقي".

 

لماذا ندين "الإسلام السياسي"؟

يختلف الدكتور حبش جذرياً مع الحملات التي تستهدف "الإسلام السياسي"، معتبراً أن الإسلام في جوهره كان سياسياً منذ عهد النبي محمد، والخلفاء الراشدين الذين أداروا دولة، ولم يديروا مساجداً. ويؤكد أن للإسلام السياسي في العصر الحديث وجوهاً متعددة وقابلة للتطور، مشيراً إلى أن معظم الأحزاب الإسلامية في البرلمانات من إندونيسيا إلى موريتانيا تلتزم بالدستور وتداول السلطة السلمي، ولا تدعو إلى إلغاء الاتفاقيات الدولية، أوشنّ الجهاد ضد الآخرين. ويحذّر من أن الحملة على المصطلح تهدف إلى "تجريم وتخوين كل من يعمل في الشأن السياسي بمرجعية إسلامية"، وهو موقف إقصائي غير واقعي. ويشدد على أن المشاركة السياسية للتيارات الإسلامية مقبولة طالما التزمت بقواعد اللعبة الديمقراطية.

ويعترف الدكتور حبش بنبل مقاصد رواد القومية العربية الأوائل في مرحلة التحرر من الحكم العثماني، لكنه يرى أن التطبيق اللاحق كان مبالغاً فيه. ويشير إلى أن محاولات فرض الوحدة العربية الكاملة بالقوة، كما في تجربتي الوحدة بين سوريا ومصر وغزو العراق للكويت، لم تكن واقعية وأدت إلى العسف والظلم. ويؤكد أنه لم توجد في التاريخ دولة عربية موحدة بالشكل المتخيّل، حتى في العصور الإسلامية الذهبية. وبدلاً من مشروع الوحدة الشاملة، يدعو إلى التحول نحو "مشروع التضامن" بين الدول العربية، من خلال تطوير التشريعات وفتح الحدود وتسهيل التبادل الاقتصادي، مع احترام الخصوصية الوطنية والتنوع القومي داخل كل قطر، بما في ذلك سوريا التي تضم قومياتٍ غيرَ عربية كان من الواجب احترام وجودها.

 

"صراع ثيولوجي وليس انقساماً سياسياً"

يرفض الدكتور حبش تعميم مصطلح الانقسام الأشعري-السلفي في سوريا، مؤكداً أن هذا الخلاف هو ثيولوجي (لاهوتي) في جوهره، وليس خلافاً سياسياً. وينفي أن يكون هناك ارتباط حتمي بين المذهب الأشعري والديمقراطية، أو بين المذهب السلفي والاستبداد، مشيراً إلى أن كلا التيارين يضم تيارات متسامحة وأخرى متطرفة. ويوضح أن التيار السلفي نفسه شارك في الثورة على النظام السابق، مما ينفي صفة الولاء المطلق للسلطة عنه. ويؤكد أن التقسيم الأكثر واقعية هو بين التيارات المتسامحةِ والتيارات المتطرفة، بغض النظر عن انتمائها المذهبي، داعياً إلى إبقاء الخلافات الكلامية في إطارها الأكاديمي وعدم تحويلها إلى صراعات سياسية تفتت المجتمع.

 

 "قداسة المستقبل"

اختصر الدكتور محمد حبش رؤيته الختامية بالتأكيد على أن بناء سوريا المستقبل يبدأ بإعادة بناء الوعي، داعياً إلى نقل الإنسان "من عبادة الماضي إلى قداسة المستقبل". وحدّد دور المثقف في قيادة الناس "من غريزة القطيع إلى نعمة العقل"، والانتقال بالخطاب من الثرثرة إلى الكلام البناء.

وفي مجال العلاقات الدينية، ميّز مفهوم "إخاء الأديان" عن الحوار أو التوحيد أو المقارنة، موضحاً أنه يعني بناء علاقات محبة وأخوة حقيقية مع الاعتراف الكامل بالخلافات العقائدية. وأكد أن هذا الأخاء هو الأساس لمستقبل آمن، حيث يعيش الناس معاً بغض النظر عن اختلافاتهم، مما يهدم فكرة "التفوق المزعوم" لأي دين التي تمهد للعنف.

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث