شمال غزة -جنوب لبنان والعكس

ماجد عزامالاثنين 2025/10/27
غزة (getty)
الاحتلال يسعى إلى تكريس الخط الأصفر المؤقت بشكل دائم (Getty)
حجم الخط
مشاركة عبر

كتبت هنا منذ شهور طويلة، محذراً وناصحاً، كي لا يتحول جنوب لبنان إلى شمال قطاع غزة، مع فتح جبهة مساندة لم تمنع إسرائيل من الاستفراد بشمال غزة وتدميره، ثم تعميم الدمار على القطاع كله، كما لم تحمي لبنان نفسه أو تمنع تدمير جنوبه، والآن لا بد من التحذير من استنساخ نموذج الجنوب ولبنان في غزة، رغم قبول خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، واتفاق وقف إطلاق النار نهائياً، بحيث تستمر إسرائيل في احتلال أكثر من نصف القطاع، وترفض الانسحاب التام قبل نزع السلاح وتطبيق المراحل الأخرى للاتفاق، بما فيها تمكين مجلس السلام واللجنة الادارية وقوات الأمن الداخلي بدعم من قوة الاستقرار الدولية، وتصريحات مقابلة من حماس والفصائل تخدم، ولو بدون قصد، السياسة الاسرائيلية وتمنع المضي قدماً في تنفيذ الخطة على علّاتها لجهة الشروع الجدي في التعافي المبكر، وإعادة الاعمار، والمضي قدماً بالخيارات الدبلوماسية نحو الأفق السياسي والمسار الذي لا رجعة عنه نحو إقامة الدولة الفلسطينية، وبالحد الأدنى إنهاء الانقسام السياسي والجغرافي بين الضفة الغربية وغزة وتوحيد المؤسسات ضمن فترة انتقالية تهيئ الأجواء المناسبة أمام الانتخابات العامة لاختيار قيادة جديرة بتضحياته الشعب الفلسطيني، وأمينة على حقوقه المشروعة في الاستقلال وتقرير المصير.

إذن، كتبت هنا قبل سنة تقريباً محذراً من تحول جنوب لبنان إلى شمال غزة، وإعطاء إسرائيل الفرصة لتدميره وتشريد أهله، كان ذلك بعد إعلان تل أبيب في آب/أغسطس 2024، عن غزة كجبهة قتال ثانوية إثر استنفاذ الخيار العسكري وانتهاء الحرب فعلياً. ما جرى بعد ذلك إطالة متعمدة خدمة لمصالح بنيامين نتنياهو وحلفائه الأكثر تطرفاً، والتوجه شمالاً إلى مخيمات الضفة الغربية بجنين وطولكرم في الطريق إلى لبنان.

 

ضخ إعلامي إسرائيلي خبيث

طالبت حينها بتنفيذ أمين ونزيه وكامل لقرار1701 كاملاً، وانهاء الفراغ الرئاسي وانتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة مصداقة ونزيهة، تنكب على فرض هيبة الدولة وسلطتها على كامل أراضيها وتتولى إعادة إعمار الجنوب وبناء المؤسسات، بعدما حولت هيمنة حزب الله البلاد إلى دولة فاشلة كما قال الوزير الآدمي ناصيف حتى في كتاب استقالته بعد ثورة تشرين أول/أكتوبر.

لكن وللأسف، لم تتوقف قيادة الحزب لقراءة التطورات بشكل دقيق، وكانت أسيرة غرورها وغطرستها وعدم فهم الواقع بشكل صحيح، بعدما جرى ضخ إسرائيلي إعلامي خبيث وموجه لسنوات، لزرع فكرة لدى قيادة حزب الله أنها تعرف الدولة العبرية أكثر من الإسرائيليين أنفسهم، وحرفياً إعطاءها الخيط الذي التفّ حول رقبتها كما قال موقع "واللا"، بحيث بات المشهد أشبه بقصة موت معلن، حيث كان العالم كله يعرف أن إسرائيل قررت شن حرب موسعة ساحقة ماحقة ضد الحزب وبيئته الحاضنة بالجنوب، إلا قيادته، حتى بعد اغتيال رئيس أركان الحزب فؤاد شكر ثم عملية البيجر وتصفية قيادة فرقة الرضوان خلال ثلاثة أسابيع فقط، وبنظرة إلى الوراء، كانت الحرب الموسعة قد بدأت نظرياً أو على الأقل تم التمهيد الجدي لها بعمليات اغتيال متتابعة لكبار قادة فرقة الرضوان بالجنوب في الأيام والأسابيع الأولى لفتح جبهة المساندة. 

وعليه جاء اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان عبر تحديث القرار1701، وليكون تعبيراً عن التفوق العسكري الاسرائيلي الساحق بالميدان. إلا أن القرار أعطى الدولة اللبنانية الفرصة في فرض سيادتها على كامل أرضيها واحتكار استخدام القوة تطبيقاً للدستور واتفاق الطائف، وتجسيداً للمصلحة الوطنية العليا، مع مواصلة العمل السياسي والدبلوماسي لحشد الضغوط ونزع الذرائع من إسرائيل وإجبارها على الانسحاب من الأرضي اللبنانية المحتلة.

 

 

فخ الدعاية الإسرائيلية

هنا أيضاً وقع حزب الله مرة أخرى في فخ الدعاية الإسرائيلية، ولا يمكن تصديق ما تقوله تل أبيب ويروجه إعلامها الموجه عن إعادة بناء الحزب قوته رغم تحجيم وعزل راعيته إيران وسقوط نظام بشار الأسد. 

الآن للأسف يجرى أمر مماثل، حيث يلحظ نقل النموذج عكسياً من جنوب لبنان إلى شمال غزة، بل القطاع كله، مع سعي إسرائيلي تقليدي لتحويل المرحلي إلى دائم في خطة ترامب واتفاق وقف النار، ورفض الانسحاب التام وبقاء الاحتلال على أكثر من نصف غزة، وتنفيذ اغتيالات لقادة فصائل المقاومة وضخ دعائي خبيث موجه أمنياً عن إعادة بناء حماس نفسها عسكرياً وحتى سلطوياً على أقل من نصف غزة المحاصرة والمدمرة بشكل شبه كامل.

وكما في جنوب لبنان لا يجب استبعاد سعي الاحتلال إلى تكريس الخط الأصفر المؤقت "يذكرنا لبنانياً بالخط الأزرق" كحدود شبه دائمة والتمدد البطيء خلفه، وخلق منطقة عازلة مفتوحة في مشهد يشبه قرى الحافة بجنوب لبنان.

في غزة يربط الاحتلال الانسحاب بتنفيذ وقف إطلاق النار كاملاً بكافة بنوده، وتحديداً نزع السلاح وفق خطة الرئيس الأميركي، مع تشكيل ميكانيزم سميت مركز التنسيق المدني العسكري بغزة لكن مقرها مستوطنة كريا جات برئاسة سياسية وعسكرية أميركية مشركة تماماً كما نظيرتها في لبنان.

في الأخير باختصار وتركيز لتفادي السيناريو اللبناني كما سيناريو تقسيم غزة إلى شرقية وغربية "غزة جديدة"  وفق تعبير الوسيط الأميركي جاريد كوشنير، خاضعة تماماً للاحتلال والوصاية الأجنبية وإعادة الإعمار فيها وترك غزة الأخرى، القديمة مدمرة تحت سلطة الفصائل تعيش على المساعدات اليومية، لا بد من أن تتصرف حماس بطريقة مغايرة لتصرف حزب الله وعدم الانجرار إلى الدعاية الإسرائيلية وتغليب المصلحة الوطنية على الحزبية والتنازل التام عن السلطة إدارياً وأمنياً، لا المقاومة بكافة أشكالها، للبقاء في المشهد السياسي والوطني مع لجنة إدارية محلية لغزة، بمواكبة عربية وإسلامية تمهد الطريق أمام تشكيل حكومة توافق وطني تنهي الانقسام وتوحد المؤسسات وتعيد الإعمار وتهيئ الظروف لانتخاب قيادة جديدة شابة وحيوية ومصداقة ونقية من الاستبداد والفساد، تستغل عزلة إسرائيل السياسية والدبلوماسية وتقبل العالم لروايتنا وقضيتنا العادلة لمواصلة طريق المقاومة والكفاح الطويل حتى نيل الحقوق المشروعة في الاستقلال وتقرير المصير، وهو المصطلح الذي ورد حرفيا بالبند 19 من خطة ترامب لوقف النار وانهاء الحرب بغزة.

 

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث