كشفت مصادر متابعة لـ"المدن" أن زعيم "جبهة ثوار سوريا" سابقاً، جمال معروف وصل أخيراً إلى محافظة الرقة الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في خطوة تعكس تقارباً سياسياً وعسكرياً بين الطرفين.
وبحسب المصادر، فإن "قسد" تسعى من خلال هذه التحركات إلى استقطاب شخصيات من المعارضة السورية السابقة، ولا سيما قادة الفصائل التي تفكّكت خلال السنوات الأولى من الثورة، ممن كانوا على خلاف مع "هيئة تحرير الشام" سابقاً، في محاولة لإبراز نفسها كقوة أكثر تمثيلاً لمكونات المجتمع السوري.
ويرى متابعون أن "قسد" قد تستفيد، ولو بشكل محدود، من تحالفها المفترض مع معروف كونه أحد أبرز الوجوه التي شاركت في الثورة ضد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في بداياتها، ويتمتع بقاعدة شعبية عربية معتبرة، إلا أن آخرين يشكّكون في قدرة معروف على حشد التأييد العربي لمصلحته أو مصلحة "قسد"، مشيرين إلى أن تجربته السابقة انتهت بالفشل عام 2014 حين تم القضاء على فصيله، قبل أن ينتقل للعيش في تركيا ويبتعد عن المشهد السوري لسنوات طويلة.
تحالف يزعج دمشق
يرى الكاتب والمحلل السياسي علي تمي أن "قسد" تحاول إعادة خلط الأوراق وتعزيز موقفها السياسي والعسكري عبر توسيع تحالفاتها قبل نهاية العام، مشيراً إلى أن هذه التحركات تأتي في سياق محاولة إحراج الحكومة السورية أمام الرأي العام المحلي والدولي. ويقول تمي في حديثه لـ"المدن" إن المرحلة المقبلة قد تشهد صراعات فرعية جديدة، مع اقتراب انتهاء مدة تنفيذ اتفاق 10 آذار/مارس بين الحكومة السورية و"قسد"، الأمر الذي يدفع الأخيرة إلى تحريك ملفاتها السياسية وتحالفاتها.
ويشير تمي إلى أن نجاح "قسد" في استقطاب جمال معروف وربما شخصيات أخرى خلال الفترة المقبلة، يعود إلى تهميش تلك الشخصيات من قبل السلطة السورية الجديدة، وهي شخصيات كانت على عداء سابق معها، ما يجعل من هذه الخطوة ردّ فعل انتقامي أكثر منها خياراً سياسياً محسوباً، ويوضح أن "قسد" باتت كالسفينة المثقوبة التي تتجه نحو الغرق، معتبراً أن انضمام معروف إليها خطوة غير مدروسة ومتهورة، ويضيف: "أعتقد أنه أخطأ في حساباته، وسيدفع ثمن ذلك نتيجة فقدانه البوصلة السياسية".
لا يخفي الإعلام الرديف لـ"هيئة تحرير الشام" سابقاً، وللحكومة السورية حالياً، عداءه لزعيم "جبهة ثوار سوريا" السابق جمال معروف، إذ كان من أوائل من ألمح، مطلع شهر تشرين الأول/أكتوبر، إلى انتقال معروف إلى مناطق سيطرة "قسد" واتهمت تلك المنصات الإعلامية معروف بـتشكيل فصيل جديد يضم أكثر من 300 مقاتل، مشيرة إلى أن مهمة التشكيل لا تقتصر على تأمين مواقع عسكرية، بل تمتد إلى اختراق حاضنته الاجتماعية في ريف إدلب، عبر استقطاب شبان من أبناء المنطقة مستفيداً من علاقاته القديمة وروابطه العائلية والقبلية، ولا سيما في منطقة جبل الزاوية.
كما اتهمت المصادر نفسها معروف بـتفعيل خلايا أمنية داخل ريف إدلب، تهدف إلى إثارة الفوضى وضرب الاستقرار العام وتشويه صورة الحكومة أمام الداخل والخارج، مضيفةً أن تلك الخلايا المفترضة قد تكون مرتبطة بحادثة مقتل عدد من الدروز في قرية كفرمارس بمنطقة جبل السماق في ريف إدلب قبل أيام قليلة.
من هو جمال معروف؟
ولد جمال معروف عام 1975 في قرية دير سنبل بريف إدلب الجنوبي، ولم يُكمل تعليمه الثانوي، حيث عمل في قطاع الإنشاءات قبل اندلاع الثورة السورية. ومع انطلاق الحراك الشعبي عام 2011، كان معروف من أوائل المشاركين في التظاهرات السلمية ضد نظام الأسد المخلوع، وفي 20 تموز/يوليو 2012، أسس معروف "كتائب شهداء سوريا" وتولى قيادتها، قبل أن يُعلن في 17 كانون الأول/ديسمبر 2013 تشكيل "جبهة ثوار سوريا"، وهي تحالف واسع ضم عشرات الفصائل والألوية والمجالس العسكرية العاملة في محافظة إدلب ومحيطها.
ومع توسع نفوذ "جبهة النصرة" في منتصف عام 2014، برز فصيل معروف كأحد أكبر القوى العسكرية التي حالت دون سيطرة النصرة على إدلب، ما دفع الأخيرة إلى شن حملة عسكرية واسعة ضده في 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2014، وانتهت المعارك بهزيمة "جبهة ثوار سوريا" وانهيار معظم تشكيلاتها، ليضطر جمال معروف إلى مغادرة سوريا واللجوء إلى تركيا، حيث ابتعد عن المشهد العسكري والسياسي لسنوات.
في ضيافة رفاق الأمس
من جهته، يستبعد الكاتب والمحلل السياسي محمد أديب أن يكون انضمام جمال معروف إلى "قسد" وانتقاله إلى شرق سوريا نابعاً من خلافه مع هيئة تحرير الشام سابقاً، والتي تمسك اليوم بزمام السلطة في سوريا، بل يرى أن الخطوة ربما جاءت نتيجة مجموعة من العوامل الشخصية والمعيشية، ويوضح أديب في حديثه لـ"المدن" أن معروف عاش خلال السنوات الماضية في ظروف صعبة في تركيا، حيث اضطر إلى العمل في مهن شاقة لتأمين نفقات معيشته ومعيشة عائلته، ما جعله يبحث عن فرص جديدة تضمن له الاستقرار والمكانة التي فقدها منذ انهيار فصيله عام 2014.
ويضيف أديب أن عدم عودة معروف إلى إدلب واختياره التوجه نحو مناطق سيطرة "قسد" ربما يعود إلى خشيته من ألا يشمله أي عفو من قبل السلطة السورية، كما حدث مع عدد من قادة الفصائل السابقين بعد سقوط النظام البائد، مرجّحاً أن يكون معروف قد استجاب لدعوات من رفاقه القدامى الذين كانوا ينتمون إلى "جبهة ثوار سوريا" وانضموا لاحقاً إلى "قسد"، ومنهم طه العبسي (أبو عمر الإدلبي)، قائد فصيل "لواء الشمال الديمقراطي"، وعبد الملك برد (أبو علي برد)، قائد فصيل "جيش الثوار"، وهما من ريف إدلب وكانا من القيادات الميدانية في صفوف معروف سابقاً.
لا يتمتع طه الإدلبي وعبد الملك برد، زعيما الفصيلين التابعين لـ"قسد"، بأي حضور شعبي يذكر في الأوساط السورية، سواء في مناطق المعارضة أو في شرق الفرات، وذلك بسبب تحالفهما المعلن مع "قسد" ومشاركتهما في القتال ضد فصائل المعارضة منذ عام 2014، وينظر إليهما في شرق الفرات على أنهما قيادات دخيلة لا تحظى بقبول محلي، إذ تسجل على فصيليهما انتهاكات متعددة أثرت في سمعتهما داخل المجتمع المحلي هناك، وفي المقابل، ما يزال جمال معروف يحتفظ بقدر من الشعبية، وإن كان محدوداً، بحكم تاريخه في الثورة السورية وانتمائه إلى بيئة عربية عشائرية واسعة بريف إدلب، ويرى مراقبون أن "قسد" قد تراهن على معروف لتقديمه واجهة عربية أكثر قبولاً ضمن تشكيلاتها، بما يسهم في تعزيز حضورها الشعبي وحماية مكتسباتها السياسية والعسكرية، خصوصاً في حال التوصل إلى تفاهمات جديدة مع دمشق، وجود معروف في الواجهة قد يحقق أيضاَ مكاسب لفصيلي الإدلبي وبرد في المرحلة المقبلة.
