أشار محللون إسرائيليون إلى أنّ المسؤولين الأميركيين الذين زاروا إسرائيل هذا الأسبوع، نقلوا رسائل واضحة ومباشرة تحذر من خرق اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مؤكدين أن زيارتهم جاءت لترسيم حدود الحركة أمام الحكومة الإسرائيلية ومنعها من تجاوزها.
ووصف المحلل العسكري في صحيفة "يسرائيل هيوم"، يوآف ليمور، مشهد اللقاءات التي أجراها نائب الرئيس الأميركي جاي دي فانس، ووزير الخارجية ماركو روبيو، والمبعوثان ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ومسؤولين أمنيين إسرائيليين، بأنه كان "عناقا وابتسامات في العلن، واحتواءً قويا في العمق لضمان السيطرة". وأكد أن الرسائل الأميركية كانت "قاطعة وقيلت في جميع اللقاءات، وحذرت من خرق اتفاق وقف إطلاق النار".
فرامل ترامب
وأوضح ليمور أن نتنياهو روج للجمهور الإسرائيلي صورة توافق كامل مع إدارة واشنطن، "لكن الحقيقة مختلفة جذريا"، مشيراً إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب "وضع فرامل لإسرائيل ثلاث مرات في الأشهر الأخيرة"، الأولى حين منع هجوماً إسرائيلياً على إيران بينما كانت الطائرات قريبة من طهران، الثانية عندما فرض على إسرائيل التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والثالثة حين حال دون رد عسكري واسع على مقتل جنديين إسرائيليين في رفح الأسبوع الماضي. وأضاف أن "فرملة رابعة" وضعها ترامب ضد تحركات الكنيست لفرض السيادة في الضفة، إذ اعتبر أن الضم "خطر على وقف إطلاق النار".
وأكد أن ترامب لا يفعل ذلك "حبا في إسرائيل أو نتنياهو"، بل لأنه لا يريد أن يستغل خصومه السياسيون أي تصدع مع تل أبيب، وفي الوقت ذاته "يريد التأكد من التزام نتنياهو بالاتفاق الذي يضمنه بنفسه"، وهو ما يفسر كثافة زيارات المبعوثين الأميركيين ومشاركتهم حتى في اجتماعات الحكومة والكابينيت الإسرائيلي.
غزة بين نموذجين
وحول المشهد في غزة، كتب ليمور أن إسرائيل أمام مأزق فقد استعادت المخطوفين الأحياء ومعظم القتلى، لكنها تواجه واقعاً يستحيل احتماله مع بقاء "حماس" وتعاظم قوتها بدعم مالي وسياسي من قطر وتركيا. ورغم إعلان نتنياهو أن استمرار نفوذ الحركة "خط أحمر"، إلا أن إسرائيل تفتقر لخيارات عملية بعد أن امتنعت عن رسم "اليوم التالي" طيلة عامين، وظلت تراهن على تهجير الغزيين وتحقيق مكاسب عقارية.
وأشار إلى أن "حماس تريد تطبيق نموذج حزب الله، حيث يحكم آخرون لكنها تقرر من وراء الكواليس، فيما يدفع الأميركيون نحو صيغة بديلة عبر قيادة محايدة"، لكن غياب أي دولة مستعدة لإرسال قوات للقطاع، ومعارضة إسرائيل لعودة أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، يترك الساحة لـ"حماس" وحدها.
أصفاد إلكترونية
وذهب المحلل السياسي في "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، أبعد في توصيف العلاقة الحالية، فقال إن الإدارات الأميركية الديمقراطية اعتادت على "إعطاء المواعظ الأخلاقية"، أما إدارة ترامب "فلا تهتم بقيمنا ولا أحلامنا، بل تأتي لوضع حدود واضحة". وأضاف أن اعتماد إسرائيل على واشنطن قديم، لكن "التعلق بإدارة ترامب مختلف تماما"، إذ بعد خسارة إسرائيل لأصدقائها في أوروبا والولايات المتحدة، لم يبق سوى هذه الإدارة "الصديق الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه".
وشدد برنياع على أن نتنياهو يصر في خطاباته على إظهار "وحدة مطلقة مع واشنطن"، لأن أي صدع يعني تراجع هامش الحركة. وقال: "ترامب هو أصفادنا الإلكترونية".
غير أن هذا التقييد الأميركي ينعكس داخليا على الساحة الإسرائيلية. فبحسب برنياع، وزيري اليمين المتطرف إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش "يتجاهلان هذه الحقائق، وفي عام انتخابي لن يضيعا فرصة لتصوير نفسيهما كصوت اليمين الحقيقي، فيما يظهران نتنياهو كدمية مربوطة بخيوط ترامب".
