شهدت إسرائيل منذ بداية الأسبوع، جسراً جوياً متواصلا للمسؤولين الأميركيين الكبار الذين جاؤوا إلى تل أبيب تباعاً، حيث بدأت بزيارة المبعوث ستيف ويتكوف وصهر الرئيس الأميركي، جاريد كوشنر، قبل أن يلحقهما نائب الرئيس جاي دي فانس، في زيارة هي الأولى له للدولة العبرية منذ توليه منصبه، ثم هبطت طائرة وزير الخارجية ماركو روبيو مساء أمس الخميس، للقاء المسؤولين الإسرائيليين.
جسر جوي "غير مسبوق"!
وأجمعت وسائل إعلام عبرية، على وصف الجسر الجوي الأميركي بـ"المكثف وغير المسبوق"، وكذلك الحال بالنسبة لاجتماع يُعدّ نادراً لمسؤول أميركي في منصب دي فانس، مع قيادة الجيش والاستخبارات الإسرائيلية، وليس المستوى السياسي فقط؛ لضمان حصوله على صورة سياسية وميدانية وأمنية "شاملة وحقيقية" عن غزة والمنطقة برمتها، وإن كان العنوان العام لزيارة دي فانس وبقية المسؤولين الأميركيين، هو بحث المراحل اللاحقة لاتفاق وقف إطلاق النار في القطاع.
واعتبرت الإذاعة العبرية الرسمية "مكان"، أن الجسر الجوي بمثابة "استنفار أميركي سياسي" لتثبيت وقف إطلاق النار، بينما علّل مصدر سياسي مقيم في واشنطن، في حديثه لـ"المدن"، هذا الإصرار الأميركي للمضي بالاتفاق؛ لكونه أساساً يهيئ البيئة للمضي قدما في مشروع التطبيع وتكريس شكل جديد للشرق الأوسط بمنظور واشنطن، وأيضاً لكونه وسيلة لتحويل ما يُسمى بـ"الإنجازات التكتيكية"، إلى استراتيجية دائمة، عدا أن الإدارة اليمينية الأميركية ترى في غزة "بوابة لإنهاء الصراع على طريقتها"، خصوصا أن خطة ترمب تقوم على أساس إشراكِ أطراف عربية وإقليمية وحتى عالمية في المراحل التالية للقطاع، ولكن شرط أن تكون مرجعيتها ومظلتها أميركية أولاً وأخيراً!
صيغتان للسيطرة على غزة؟
ورصدت "المدن" إفادة تلفزيونية لمحرر الشؤون السياسية في هيئة البث العبرية شمعون آران، أشار فيها إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أكد خلال لقائه دي فانس، المعروف بكونه شخصية أميركية داعمة لإسرائيل، رفضه لنقطتين رئيسيتين؛ وهما الانتقال للمرحلة الثانية لاتفاق غزة قبل تسليم "حماس" آخر جثة إسرائيلية، إلى جانب معارضته مشاركة قوات أو شركات تركية في المرحلة المقبلة بالقطاع. وبموجب ذلك، أوضح آران أن الأمور ما زالت "غامضة" بشأن مدى استعداد تل أبيب للانتقال إلى المرحلة الثانية، خصوصاً أن مجلس الكابينت بحث الموضوع خلال الساعات الأخيرة، مبيناً أن المشاورات الأميركية والإسرائيلية مستمرة لحسم الأمور.
وبتفصيل أكبر لما بحثه نائب الرئيس الأميركي في إسرائيل، فقد بحث مسألة الخطوط التي يمكن للجيش الإسرائيلي التواجد فيها ضمن المرحلة التالية للاتفاق. والحال أن ما نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" في الساعات الأخيرة بشأن وجود مشاورات أميركية- إسرائيلية لتقسيم القطاع إلى قسمين، لا يُعد كشفاً جديداً؛ لأن المراسل العسكري للتلفزيون العبري الرسمي نوه قبل أيام، بأن مجيء دي فانس إلى إسرائيل، مرتبط ببحث صيغتين لتقسيم القطاع والسيطرة عليه، بحيث تكون صيغة محددة للمناطق التي ستبقى تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، وصيغة أخرى لمناطق وجود السكان الفلسطينيين، والتي ستدخل إليها قوات متعددة الجنسيات بموجب اتفاق وقف إطلاق النار المبني أساساً على خطة ترامب.
جنرال أميركي.. كمرجعية للقوات الدولية!
وأوضح تلفزيون "مكان" العبري، أن جنرالا أميركياً يرأس حاليا 200 جندي أميركي بمشاركة آخرين من المملكة المتحدة، داخل مركز عسكري أميركي في إسرائيل، مهمته الإشراف على تنفيذ مراحل تنفيذ خطة ترامب، كما بدأ ذلك المركز الاتصالات والتنسيق في هذه الأثناء بشأن دخول قوات من دول عربية وإقليمية وغيرها، إلى القطاع، على أن يكون ذلك الجنرال الأميركي، بمثابة "مرجعية" لتلك القوات، كما قال شمعون آران.
وأفادت مصادر سياسية "المدن"، بأن الأسابيع المقبلة ستكون "مهمة" من ناحية تبلور الرؤية الكاملة لمسار اتفاق غزة ووجهته، ولعل هذا ما حاول المسؤولون الأميركيون أن يشددوا عليه في لقاءاتهم مع المسؤولين الإسرائيليين، إذ أكدوا على ضرورة المحافظة على الاتفاق خلال الأسبوعين المقبلين.
وأكدت مصادر "المدن" في واشنطن، أن مجيئ مسؤولين أميركيين بهذا الكم والتتابع إلى إسرائيل، في غضون أيام قليلة، مرتبط أيضاً بنقاش ملفات إقليمية كإيران ولبنان وسوريا واليمن، إضافة إلى الدفع بعملية التطبيع، وإن كانت غزة "المفتاح الرئيسي لكل شيء"، وفق المفهوم الأميركي لاتفاق وقف إطلاق النار بشكل أساسي.
رسالتان لاستنفار أميركا السياسي
في حين، قال الصحافي المتابع لشأن السياسية الأميركية محمد القاسم، لـ"المدن"، إن الجسر الجوي الأميركي انطوى على رسالتين من ترامب، الأولى موجهة لإسرائيل، ومفادها أنه لا يُمكن عودة الأمور إلى الوراء، وأن اتفاق غزة سيستمر، حتى لو كان بسيناريو تغيير شكل الحرب إن لم يكن توقفها نهائياً، مبيناً أن رسالة واشنطن إلى تل أبيب، تضمنت أيضاً دعوة إسرائيل إلى تجنب خطوات أحادية الجانب، وأن تنسق مع الولايات المتحدة حول كل شيء بخصوص غزة، وأي مكان في المنطقة، وبما ينسجم مع رؤية ترامب.
وأما الرسالة الأخرى بحسب القاسم، فهي موجهة للإقليم، وتقضي بطمأنة أميركا لدول عربية وإسلامية، بشأن "جدية ترامب" في استكمال مراحل اتفاق غزة بكل الأحوال، في مقابل أن تنفذ دول المنطقة أدوارها المحددة في القطاع، وهي مسألة أشارت إليها أيضاً تحليلات وقراءات إسرائيلية متعددة.
بكل الأحوال، تبدو الأيام والأسابيع المقبلة كفيلة بتوضيح الصورة بشأن مدى استعداد إسرائيل للانتقال إلى مراحل اتفاق غزة المقبلة أو مراوحته مكانه، وهي أيضاً اختبار لمدى نجاعة ضغط الإدارة الأميركية على حكومة نتنياهو، لإجبارها على مواصلة الاتفاق وعدم العودة إلى الوراء بعد تسليم "حماس" كافة الأسرى الأحياء.
