تمديد 3 سنوات: تركيا تُثبّت وجودها العسكري في سوريا والعراق

خاص - المدنالجمعة 2025/10/24
قوات تركية سوريا.jpg
Getty
حجم الخط
مشاركة عبر

في خطوة تُرسّخ حضورها العسكري خارج حدودها لأعوام مقبلة، صوّت البرلمان التركي، الثلاثاء الماضي، على تمديد تفويض القوات المسلحة لتنفيذ عمليات عسكرية في سوريا والعراق، لمدة ثلاث سنوات إضافية، تبدأ في 30 تشرين الأول/أكتوبر 2025.

كما وافق البرلمان على تمديد مشاركة القوات التركية في بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب لبنان (يونيفيل)، لعامين إضافيين، اعتباراً من 31 تشرين الأول/أكتوبر 2025.

ويُعدّ التمديد في لبنان استمراراً لدور تركيا في إطار القرار الدولي رقم 1701، الذي أصدره مجلس الأمن في آب/أغسطس 2006، لإنهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز/يونيو 2006، والذي نصّ على نشر 15 ألف جندي من قوات حفظ السلام الدولية على طول الحدود الجنوبية للبنان.

القرار، الذي جاء بناءً على اقتراح من الرئاسة التركية، يُعد الأطول من نوعه منذ بدء التدخلات العسكرية التركية خارج الحدود في عام 2016، ويثير تساؤلات حول طبيعة التهديدات التي تستند إليها أنقرة، ونواياها الاستراتيجية في المدى المتوسط والبعيد.

 

تمديد غير مسبوق في المدة

ومنذ منح البرلمان التركي الحكومة صلاحية التدخل العسكري خارج الحدود في 2 آب/أغسطس 2016، جرى تجديد التفويض سنوياً، غالباً تحت ذريعة مكافحة "الإرهاب" وحماية الأمن القومي.

لكن التمديد الحالي، الذي يغطي ثلاث سنوات كاملة، يُعد الأطول منذ بدء هذه الممارسة، ويُشير إلى تحوّل في طبيعة الوجود التركي من ردّ فعل تكتيكي إلى تثبيت استراتيجي.

ويُنظر إلى التمديد الثلاثي على أنه مؤشر على رغبة أنقرة في تثبيت وجودها العسكري في شمال سوريا وشمال العراق على المدى المتوسط، لا سيما في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي والدولي.

 

سوريا بعد سقوط النظام

أقامت تركيا في ذروة تدخلها العسكري في شمال سوريا، نحو 80 قاعدة ونقطة مراقبة، موزعة على مناطق كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة، خصوصاً في مثلث جرابلس–الباب–أعزاز، إضافة إلى مواقع في جنوب إدلب، أبرزها تلة النبي أيوب. ومع تغيّر موازين القوى على الأرض، خصوصاً بعد سيطرة قوات النظام السوري على أجزاء واسعة من إدلب، أعاد الجيش التركي تنظيم انتشاره.

وقال مصدر عسكري سوري، لـ"المدن"، إن الجيش التركي ركّز وجوده بشكل كبير في مطار كويرس العسكري، ودمج عدداً من النقاط الصغيرة في قواعد موحدة، نظراً لعدم الحاجة إليها بعد تقلص خطوط التماس.

 

مرونة في العراق

وفي شمال العراق، لا يزال الوجود العسكري التركي متقلباً، إذ يجري توسيع أو تقليص عدد القواعد والنقاط وفقاً لتطورات الوضع الأمني.

ويوضح الباحث في الشأن السياسي العراقي إبراهيم قيسون، لـ"المدن"، أن عدد النقاط التركية يتراوح ما بين 20 و30 قاعدة تركية في مناطق مختلفة من إقليم كردستان، تحديداً في محافظتي دهوك وزاخو، إذ يُركّز هذا الوجود على مناطق جبلية يُعتقد أن مسلحي حزب العمال الكردستاني يتخذون منها ملاذاً آمناً.

وتستند تركيا في تبرير وجودها العسكري في العراق، إلى ما تصفه بـ"التهديد الإرهابي" القادم من شمال سوريا والعراق، وتحديداً من وحدات حماية الشعب (YPG) وحزب العمال الكردستاني (PKK)، اللذين تعتبرهما أنقرة امتداداً واحداً، لكن ورغم تراجع وتيرة العمليات العسكرية الكبرى في السنوات الأخيرة، تؤكد أنقرة أن هذه المجموعات لا تزال تشكل خطراً استراتيجياً.

 

توسع الأهداف: من الأمن إلى النفوذ

ثمة مؤشرات متزايدة على أن الأهداف التركية لم تعد تقتصر على مكافحة "الإرهاب"، بل تشمل بناء مناطق نفوذ دائمة في الشمال السوري، وتعزيز الحضور السياسي والعسكري في شمال العراق.

ويقول المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، لـ"المدن"، إن "حالة الخرائط على المستوى الأمني لتركيا تشمل ما هو خارج الحدود، وحتى الآن، ما زالت تركيا تعتبر أن الأراضي السورية مركز للقلق الأمني، ولا يمكن رفع هذا القلق إلا بوجود القوات المسلحة، بسبب تواجد داعش، وقسد، وحزب العمال، حتى الآن".

ويضيف رضوان أوغلو، أن "قضية حزب العمال لم تنتهِ، بالرغم من كل ما حصل حتى الآن، ولكن حتى تُنهى مئة بالمئة، يجب أن يتطوّر الجيش السوري والأمن السوري ويصبحا قادرين على السيطرة على كل أراضيهما".

ويتابع: "على المستوى الاستراتيجي، إسرائيل لديها فعلاً مشروعاً يهدد تركيا، وهو تفتيت سوريا، وتركها ضعيفة، لتظل نقطة قلق لتركيا في المستقبل، ولهذا السبب أيضاً، جُدّد التمديد لثلاث سنوات، حتى لا يُعاد التصويت كل سنة، كما جرت العادة سابقاً من قبل البرلمان".

ويضيف "هناك توافق عربي-تركي الآن حول التواجد التركي في سوريا، بسبب هذه المخاوف، كما أن تأييد سوريا من خلال السعودية، ومن خلال دولة قطر، وحتى من مصر والأردن، يُظهر أن هذا الأمر مدعوم إقليمياً. كما أن الواقع على الأرض، وتصريحات الرئيس ترامب، تُشير إلى توافق بين تركيا والولايات المتحدة في كثير من هذه الأمور".

 

لبنان: استمرار ضمن إطار دولي

وفي لبنان، يتموضع الوجود التركي ضمن بعثة "اليونيفيل"، ولا يشمل قوات قتالية، بل مهام لوجستية واستشارية ضمن الكتيبة البحرية التركية التي تشارك في المهمة منذ عام 2006، ويمثّل التمديد الجديد استمراراً لهذا الدور، دون توسيع في المهام أو التفويضات.

ويقول الباحث في القضايا الاستراتيجية ماجد عزام، لـ"المدن": "منهجياً، نحن أمام دولة ديمقراطية ودولة مؤسسات، وبالتالي القرارات الكبرى وحتى الصغرى لا بد أن تمر عبر المؤسسات".

ويضيف عزام "ربما يظن البعض أن تركيا تريد أن تتدخل عسكرياً، أو ستتدخل عسكرياً في لبنان، خصوصاً مع عودة الحديث عن اتفاق وقف إطلاق النار، واحتمال اندلاع حرب جديدة، وانخراط تركيا في تفاهمات وقف إطلاق النار ومراقبة تنفيذ الاتفاق في غزة، لكن تركيا مشاركة في اليونيفيل منذ تأسيسها، وقرار التمديد لعامين جاء لأن الأمم المتحدة فضّلت أن تنهي مهمة اليونيفيل خلال عام ونصف تقريباً، لصالح الجيش اللبناني بعد تعزيزه وتقويته، أي أن السياق في لبنان مختلف عن غيره".

ويوضح أن "تركيا لا تنفّذ عمليات عسكرية في لبنان، بل تُساهم بقوات حفظ السلام، لكن في العراق وسوريا، الأمر مختلف، إذ من الواضح أننا سنعيش، حتى لثلاث سنوات مقبلة، مرحلة انتقالية هشّة، حيث تمر المنطقة بتحولات كبيرة".

ويعتبر أن الوجود العسكري في الخارج، "يُعبّر عن حضور تركيا القوي، وانخراطها في الشؤون الإقليمية، بل وحتى أبعد من محيطها الجيوسياسي المباشر، فنحن نتحدث عن العراق وسوريا وآسيا الوسطى وشرق المتوسط وليبيا وحتى البحر الأسود، وكلها قضايا مرتبطة بمحيطها الجيوسياسي المباشر، ولكن عندما نتحدث عن غزة أو لبنان، أو حتى أفغانستان وباكستان، فهذا خارج المحيط الجيوسياسي المباشر".

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث