أثارت عملية أمنية نفذتها الحكومة السورية واستهدفت خلالها "كتيبة الغرباء"، أو ما تعرف بـ"الكتيبة الفرنسية"، في أحد المخيمات بريف إدلب، تكهنات حول توجه دمشق لمواجهة المقاتلين الأجانب، في تطور ميداني نادر شمال غربي سوريا منذ إسقاط المعارضة السورية لنظام بشار الأسد.
وجاءت العملية، التي انتهت باتفاق لوقف إطلاق النار، بعد ورود شكاوى من سكان مخيم الفردان في ريف إدلب تحدثت عن انتهاكات جسيمة ارتكبتها مجموعة مسلحة يقودها الفرنسي عمر ديابي المعروف باسم عمر أومسين، أبرزها خطف فتاة من والدتها داخل المخيم.
ورداً على تلك الحوادث، أعلنت قيادة الأمن الداخلي في محافظة إدلب، عن تنفيذ إجراءات عاجلة وحازمة ضد المجموعة المسلحة التي تُعرف باسم "كتيبة الغرباء" أو "الكتيبة الفرنسية"، وتتخذ من منطقة حارم القريبة من الحدود التركية مقراً لها، قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق أنهى الاشتباك.
اتفاق بوساطة
وقالت مصادر مطلعة لـ"المدن"، إن الاتفاق تم بعد تدخل وسطاء من الجانبين، مشيرة إلى إحالة ملف القضية إلى القضاء الشرعي في وزارة العدل السورية، والتوصل إلى صيغة تسمح بدخول قوات الأمن الداخلي إلى المخيم.
ويرى مراقبون أن الحادثة تمثل تحولاً تدريجياً في تعامل الحكومة السورية مع المقاتلين الأجانب في الشمال، إذ لم تعد دمشق تتجاهل التجاوزات الفردية لبعض تلك المجموعات، بل تسعى إلى فرض سلطة القانون والحد من أي نشاط قد يهدد الأمن المحلي أو يحرجها أمام شركائها الإقليميين.
حادثة محددة
ويشير آخرون إلى أن العملية قد تفتح الباب أمام مزيد من الإجراءات الأمنية المشابهة مستقبلاً، خصوصاً إذا واصلت بعض الفصائل الأجنبية تجاوزاتها داخل الأراضي السورية.
لكن الباحث والكاتب السوري حسام جزماتي، يستبعد أن تكون العملية الأمنية التي نفذها الأمن السوري ضد كتيبة "الغرباء"، جزءاً من حملة شاملة تستهدف المقاتلين الأجانب، معتبراً أنها حادثة محددة تكررت في السابق ضد أومسين، من بينها خلاف سابق على حضانة طفلة فرنسية بين والدين.
ويقول جزماتي لـ"المدن"، إن "هيئة تحرير الشام تمثل اليوم الدولة ولا تقبل بوجود جهة أخرى تتصرف خارج سيطرتها، خصوصاً أن المعسكر الخاص بكتيبة المقاتلين الأجانب، مسوّر، ولا تدخله قوى الأمن الداخلي إلا في حال وجود مطلوبين لها، مثل القيادي الفرنسي أومسين".
وعن إمكانية أن تفتح الحادثة الباب أمام استعادة المقاتلين الأجانب من قبل حكوماتهم، يرى جزماتي أن ذلك "احتمال ضعيف"، مفسراً ذلك بعدم مبادرة الحكومات الغربية إلى استعادة مقاتلي تنظيم "داعش" المحتجزين في سجون شمال شرقي سوريا. ويضيف أن "الحكومات الغربية لن تبادر إلى استلامهم حتى مع تعهد السلطة السورية الحالية بضبط تحركاتهم، خشية أن يستخدموا لاحقاً في تحركات خارجية ضد دولهم".
وأمس الثلاثاء، فرضت القوى الأمنية السورية حصاراً على المخيم بهدف القبض على أومسين بتهمة اختطاف طفلة من أم فرنسية وابتزازها مالياً مقابل الإفراج عنها، إلى جانب اتهامه بإنشاء محكمة شرعية داخل المخيم وإخضاع سكانه لأحكامها بمعزل عن القانون السوري.
ودفعت القوى الأمنية بتعزيزات كبيرة بعد رفض أومسين تسليم نفسه، قبل أن تندلع اشتباكات بين الجانبين، من دون أن يتمكن أي طرف من حسم الموقف.
