خاص: لقاء بين الحكومة و"قسد" في حلب.. ترغيب ووعيد

خاص - المدنالأربعاء 2025/10/22
الرئيس السوري أحمد الشرع وزعيم "قسد" مظلوم عبدي (الرئاسة السورية)
تنفيذ اتفاق الشرع-عبدي حضر على طاولة التفاوض (الرئاسة السورية)
حجم الخط
مشاركة عبر

عُقد في مدينة حلب بتاريخ 16 أكتوبر 2025 اجتماع تفاوضي بين وفدٍ مكلّف من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ووفد حكومي سوري برئاسة محمد قناطري، ضمّ محافظي حلب عزام غريب ودمشق عامر الشيخ ومحافظ حمص عبد الرحمن الأعمى.

استمر اللقاء أكثر من خمس ساعات، حاول خلالها كل طرف اختبار نوايا الآخر وسط أجواء مشحونة بقدر من الحذر والترقب.

 

تفاوض بنكهة التهديد

وقالت مصادر خاصة لـ"المدن"، إن وفد الحكومة حاول إقناع "قسد" بقبول قانون الإدارة المحلية رقم 107، بوصفه الإطار الوحيد الممكن للاندماج ضمن الدولة السورية، مقدّماً العرض بنبرة جمعت بين الترغيب والتهديد.

وسأل ممثلو الحكومة السورية، بحسب المصدر، عن قدرة "قسد" على الاندماج في مؤسسات الدولة قبل نهاية عام 2025، استناداً إلى بنود اتفاق 10 آذار/مارس، في وقتٍ تحدث فيه بعض أعضاء الوفد، عن "قدرات حشد عشائري وعسكري واسعة"، في حال رفضت "قسد" الاندماج.

من جانبها، تمسكت "قسد" بمطلب توثيق أي اتفاق أو تفاهمات كتابياً، ودمجها ضمن نصوص دستورية تضمن استمراريتها وعدم التنصل منها مستقبلاً، لكن وفد الحكومة رفض ذلك بشكل قاطع، ما كشف عن حدود الثقة الضيقة والإرادة السياسية الضعيفة لتقديم ضمانات حقيقية.

هذا الرفض دفع بعض أعضاء وفد "قسد"، إلى اعتبار الطرح الحكومي "مجرّد استيعاب إداري" يهدف إلى إنهاء مشروع الإدارة الذاتية لا تطويره، وهو ما جعل الجلسة تنتهي دون نتائج ملموسة، وسط تزايد مخاوف من تصعيد أمني أو عسكري في حال استمرار التعثر.

 

حضور العسكر وغياب الثقة

وأبدى محافظ حلب عزام غريب، مخاوفه من انزلاق الأمور إلى صدام واسع، بينما لوحظ غياب القيادية في "قسد" سوز دار، التي تواجدت مع الوفد العسكري، ما اعتُبر إشارة رمزية إلى أن الذراع العسكرية لـ"قسد"، ما زالت جزءاً من طاولة التفاوض وإن غابت عنها شكلاً.

هذا التداخل بين المدني والعسكري داخل بنية "قسد"، يربك المشهد التفاوضي، لكنه في الوقت ذاته يذكّر الحكومة بأن القوة على الأرض لا تزال عاملاً مؤثراً في أي اتفاق مقبل.

 

من حلب إلى أنقرة... خطاب قومي مشترك

في الوقت الذي كانت فيه قاعة الاجتماعات في حلب تشهد نقاشات متوترة حول اللامركزية، كان زعيم حزب الحركة القومية التركي دولت بهتشلي، يخطب في البرلمان التركي، محدداً ما أسماها "الخطوط الحمراء للأمة التركية".

وقال بهتشلي في خطابه: "أمتنا معروفة واسمها الأمة التركية... دولتنا معروفة وهي جمهورية تركيا. إشراك أحد مع الدولة أو البحث عن غطاء ديمقراطي من خلال الدعوة إلى الحكم الذاتي أو اللامركزية هو انزلاق إلى الهاوية".

لم يكن بهتشلي يخاطب الداخل التركي فقط، بل وجّه رسائل ضمنية إلى الأكراد في سوريا أيضاً، في لحظة تتقاطع فيها مصالح القوميين الأتراك مع رغبة دمشق في إعادة هندسة المشهد الكردي ضمن "إطار وطني" ضيق.

في أنقرة كما في دمشق، يتكرر الخطاب ذاته بلهجتين مختلفتين: الدولة واحدة، الأمة واحدة، وأي حديث عن تعدد الهويات أو توزيع السلطة يُعتبر تهديداً للكيان الوطني. وكأن المأساة الكردية في البلدين هي ذاتها، مع اختلاف الراية التي ترفرف فوقها.

 

مركزية الخوف من التعدد

تتعامل كل من الحكومتين السورية والتركية مع المسألة الكردية، كملف أمني قبل أن تكون قضية حقوق أو مواطنة. فدمشق تطرح "الإدارة المحليةط كبديل مؤقت يمنح شكلاً من المشاركة الشكلية دون مضمون سياسي حقيقي، فيما تعتبر أنقرة أي مطلب ثقافي أو لغوي أو إداري للأكراد، مؤشر على نزعة انفصالية.

النتيجة أن الطرفين، رغم العداء السياسي العميق بينهما، يلتقيان على أرضية واحدة: رفض أي شكل من أشكال اللامركزية السياسيةن أو الاعتراف الدستوري بالهوية الكردية.

 

لعبة الوقت والرهان الخاطئ

تعتمد دمشق في استراتيجيتها التفاوضية على عامل الوقت، رهاناً على إنهاك "قسد" سياسياً واقتصادياً بعد تراجع الدعم الأميركي، فيما تراهن "قسد" على إمكانية فرض تسوية أمر واقع تعترف بوجودها السياسي والعسكري.

لكن استمرار هذه الثنائية دون حل، ومع اشتداد الخطاب القومي في تركيا، يجعل الملف الكردي السوري رهينة لتوازنات إقليمية أكثر منه موضوع حوار وطني داخلي.

فما يجري في حلب ليس مجرد تفاوض حول صلاحيات، بل صراع حول تعريف "الدولة السورية: نفسها: هل هي دولة مركزية جامدة؟ أم دولة تعترف بتعدد مكوناتها وتمنحهم حقوقاً متكافئة؟

وبينما يرفع بهتشلي في أنقرة شعار "الأمة الواحدة"، تكرر دمشق الصدى ذاته بصيغة "الوطن الواحد". الفارق الوحيد، أن الأولى تتحدث باسم قومية تركية صريحة، بينما الثانية تفعل ذلك تحت لافتة وطنية جامعة تُقصي الجميع باسم الوحدة.

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث