حلب تغرق بالنفايات.. تقسيم المدينة يستنسخ التجربة التركية

حلب - خالد الخطيبالثلاثاء 2025/10/21
حلب
الأصوات المنتقدة للتقسيم اعتبرته إعادة إنتاج للبيروقراطية المركزية (المدن)
حجم الخط
مشاركة عبر

أثار قرار محافظة حلب القاضي بتقسيم المدينة إلى خمس كتل إدارية، وتعيين مسؤول عن كل كتلة، موجة جدل واسعة حول أهداف الخطوة وجدواها ومعايير اختيار القائمين على إدارتها. وبالرغم من أن المحافظة بررت القرار بأنه يهدف إلى تنظيم العمل الإداري وتسريع الاستجابة للمطالب الخدمية، فإن الأصوات المنتقدة اعتبرته إعادة إنتاج للبيروقراطية المركزية، وإضعافاً لدور مجلس المدينة وصلاحياته المنصوص عليها في قانون الإدارة المحلية رقم 107 لعام 2011.

 

جدوى التقسيم

ويرى رئيس مجلس مدينة حلب السابق بين العامين 2013 – 2016، بريتا حاجي حسن، أن حلب التي كانت نموذجاً رائداً في الإدارة المحلية رغم الحصار والقصف ونقص الموارد، تعجز اليوم، وبعد عشرة أشهر من التحرير، عن حل أبسط مشكلاتها الخدمية. ويضيف لـ"المدن"، أن "الشوارع تغص بالنفايات والمدينة تختنق من الفوضى، والمحافظة تتحدث عن كتل إدارية وهيكلة جديدة، بينما الأزمة الحقيقية في غياب الإدارة الفعالة".

ويشير المسؤول السابق في مجلس المدينة، أحمد عزوز، إلى أن القرار يحمل نية حسنة لتحسين التنسيق الخدمي، لكنه يتناقض مع روح القانون 107 الذي يحدد بدقة العلاقة بين المحافظ والمجالس المحلية. ويقول لـ"المدن": "المحافظ يمثل السلطة المركزية وله دور إشرافي وتنفيذي، بينما إدارة المدينة ومتابعة خدماتها من صلاحيات مجلس المدينة والمكتب التنفيذي، وأي خطوة تعيد تركيز السلطة التنفيذية بيد المحافظ، أو تنشئ مستويات موازية داخل المدينة، تضعف استقلالية المجلس المحلي عملياً، حتى لو كانت النية تطوير الأداء الإداري".

ويضيف عزوز أن الحل الأنسب يكمن في دعم المديريات الخدمية القائمة وتمكينها مادياً وفنياً، بدلاً من خلق هياكل جديدة موازية، مؤكداً أن "تحسين الخدمات لا يتحقق بزيادة الطبقات الإدارية، بل بتقوية المؤسسات المنتخبة وتمكينها من ممارسة صلاحياتها كما نصّ عليها القانون".

ويرى مراقبون أن القرار يكرس السلطة المركزية على حساب المجالس المنتخبة، في وقت تحتاج فيه حلب إلى دعم الكفاءات المحلية واستقلال القرار الخدمي، ويشير هؤلاء إلى أن تجربة الإدارة المحلية في حلب خلال سنوات الثورة السورية بين العامين 2013 و2016، كانت مثالاً على قدرة المجتمعات المحلية على تنظيم شؤونها رغم غياب الموارد، وهو ما يتناقض مع توجه اليوم نحو تكثيف السيطرة الإدارية.

 

استنساخ للتجربة التركية

فيما يرى بهاء ناشر النعم، الرئيس السابق لدائرة الاستملاك في مجلس مدينة حلب، أن مؤيدي القرار استندوا إلى "النموذج التركي" في تقسيم المدن الكبرى إلى بلديات فرعية. ويضيف لـ"المدن"، إن البلديات الفرعية في تركيا، تمتلك استقلالاً إدارياً ومالياً كاملاً، ولها معداتها وكوادرها وميزانياتها الخاصة، بينما النظام الإداري في سوريا لا يزال مركزياً تديره وزارتا الإدارة المحلية والإسكان من دمشق، وبإشراف مباشر من المحافظ.

ويحذر ناشر النعم من أن تطبيق النموذج التركي شكلياً دون استقلالية حقيقية "سيؤدي إلى فوضى وتضارب صلاحيات بين مسؤولي الكتل ومديريات الخدمات العشر في المدينة،" مضيفاً "سيغرق مسؤولو الكتل في بحر من الشكاوى والطلبات دون أدوات تنفيذية، فيما يستغل بعض الفاسدين الوضع لتعطيل العمل أو التهرب من المسؤولية. إذا أردنا النجاح فعلينا إعادة هيكلة حقيقية تشبه التجربة التركية بالكامل، لا مجرد تقسيم إداري جديد على الورق".

ويشير إلى أن القرار "يلغي عملياً دور مجلس المدينة المنتخب وقطاعاته الفنية المختصة، كمديريات الصيانة والمراقبة والإشراف على الأبنية والطرق والمجاري"، ما قد يفتح الباب أمام تداخل المهام وسوء استخدام الصلاحيات.

وتنتقد الأوساط المحلية المعارضة لقرار تقسيم المدينة تعيين أشخاص يقولون إنهم ليسوا أصحاب كفاءة تؤهلهم لإدارة الكتل، بعضهم يحملون إجازات جامعية بالعلوم الشرعية وآخرين في الطب، ولم يكن بينهم مهندس واحد.

 

التقسيم يحفّز التنافس

في المقابل يدافع طيف واسع من مؤيدي القرار عن خطوات المحافظة ويرونها صائبة وتهدف إلى تطوير وإنعاش للخدمات والإدارة فيها. ويرى المهندس محمد رضوان أن تقسيم المدينة إلى كتل قد يخلق تنافساً إيجابياً بين الكتل، ويؤدي إلى تسريع الاستجابة للمشكلات اليومية. ويقول لـ"المدن": "تقسيم المشكلة الكبيرة إلى أجزاء أصغر يسهل معالجتها، والتنافس بين الكتل سيخلق ديناميكية جديدة، والأهم هو النتائج لا الشكل، التجربة بحد ذاتها تستحق الدعم، لأنها قد تضغط على المحافظة لتحسين الأداء وتوزيع الموارد بعدالة".

وفي بيان صادر في 18 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، أكدت محافظة حلب أن القرار يأتي في إطار "تطوير آليات العمل الحكومي وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للسكان". وأوضح المحافظ عزام غريب أن الهدف هو "تحقيق العدالة في توزيع الموارد وعدم تركيز الاهتمام على منطقة دون أخرى"، مشيراً إلى أن "كل كتلة سيتولى إدارتها مسؤول إداري يمثل المحافظة ويشرف على المؤسسات الحكومية ضمنها بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية والإدارية".

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث