يؤشرُ تركيز الأبحاث الأمنية الإسرائيلية على دور تركيا العسكري في سوريا الجديدة، وإثارتها الخشية من نشوء محور إسلامي-سني بزعامة أنقرة، كبديل للمحور الإسلامي-الشيعي بقيادة إيران، أن الموضوع يشكل هاجساً أمنياً جدياً لدى الدولة العبرية ودوائرها الاستراتيجية في سياق الشرق الأوسط الجديد الذي تحاول رفقة أميركا، أن تفرضه بقوة السلاح وعنترية السياسة..
فالأمر يتعدّى حدود الدعاية الإسرائيلية المجرّدة، و"فنتازيا" تأويلات الإعلام العبري التقليدي.
"التحول الجوهري.. واستغلال الفراغ"
ولعلّ هذا ما يُستنتج من مقال لموقع "علما" المقرب من الاستخبارات الإسرائيلية، بعنوان "محور سني-إسلامي جديد؟"، مسلطاً الضوء على دور تركيا في بناء القوة العسكرية السورية بعد سقوط نظام الأسد.
وقال كاتب المقال يعقوب لابين، المتخصص في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، إن وصول "جماعات سنية جهادية" إلى السلطة بعد سقوط الأسد، قد أحدث "تحولاً جوهرياً" في ميزان القوى الإقليمي، تمثّل في استبدال المحور الإيراني-الشيعي الذي كان يتمتع بنفوذ واسع في سوريا، بآخر سني مدعوماً من تركيا.
واعتبر لابين أن هذا التحول دفع تركيا إلى "استغلال الفراغ" الذي نشأ بعد سقوط بشار الأسد وانسحاب حلفائه، لتصبح بسرعة "لاعباً مركزياً" يشكل الجيش السوري الجديد، مدعياً أن أنقرة تعمل على ترسيخ نفسها كحليف رئيسي للنظام السوري بقيادة أحمد الشرع، وتسعى إلى بناء قوة الجيش الجديد عبر التدريب المهني وتوفير الأسلحة، لتمكينه من السيطرة على البلاد.
مراقبة إسرائيلية.. و"سؤال مفتوح"!
ويعني هذا، أن مقال "علما" بنى تقييمه واستنتاجه على أساس انخراط تركيا في "تعزيز" القوة العسكرية داخل سوريا، مؤكدا أن إسرائيل تراقب ذلك عن كثب، وتحاول إحباط هذه المساعي بطرق متعددة، بزعم أن غاية الخطوة التركية "الاستراتيجية" بتعزيز التحالف مع دمشق، هي إظهار "قوة تركيا" والدفع ب"أجندة الرئيس رجب طيب أردوغان المتمثلة بالنيوعثمانية والإسلامية"، إلى جانب بناء قدرة عسكرية سورية يمكن تفعيلها ضد أهداف تحددها أنقرة، خصوصا الداخلية كقوات سوريا الديمقراطية (قسد).
ورغم أن يعقوب لابين بدا غير جازم بشأن الإجابة على سؤاله حول ما إذا كانت هذه القوة ستُستخدم ضد خصم خارجي، على رأسه إسرائيل، إلا أنه اعتبره "سؤالاً مفتوحاً"، لاسيما وأن بناء القوة العسكرية السورية يعتمد كثيراً على مساعدة تركيا في مجال التدريب المهني والدعم الفني، مروراً بنقل أسلحة متطورة مصنعة في تركيا.
وأشار كاتب المقال الإسرائيلي هنا، إلى أن "الواقع الجديد" يشكل "تحدياً طويل الأمد" بمنظور إسرائيل، بدعوى أن الأسلحة التركية التي تشغلها القوات السورية يمكن أن توجهها ضد إسرائيل ذات يوم، وأن ما وصفه بـ"النفوذ التركي" في الجيش السوري، قد يؤدي إلى استخدام مستقل مستقبلي لهذه الأسلحة ضد تل أبيب، على حد تعبيره.
لكن لابين عاد ونوه إلى أن خريطة الصراع في سوريا تغيرت جوهرياً مقارنة بما كان عليه الحال قبل نحو 10 أشهر، فالجيش السوري أصبح الآن جزءاً من محور منافس لإيران، ما يخلق "فرصاً لإضعاف هذا المحور أكثر"، وفق قراءة إسرائيل الأمنية.
تدريب ولوجستيات.. فتسليح
وأضاف مقال "علما" أن الدعم الذي تقدمه أنقرة للجيش السوري، يتضمن جوانب شاملة ضمنها اتفاق التعاون العسكري الموقع بين الطرفين في آب/أغسطس 2025، لتطوير الجيش السوري وتعزيز قدراته، وإعادة تأهيل النظام الأمني بالكامل، وتدريب الجنود وفق معايير دولية.
وبينما أشار المقال الإسرائيلي إلى أن الدور العسكري التركي في سوريا، يشمل التدريب واللوجستيات والتسليح، إلا أن أكثر ما يقلق إسرائيل، هو إدخال أسلحة تركية "متطورة" إلى سوريا وتدريب قواتها عليها، بما يقوّض مستقبلاً حرية النشاط الإسرائيلي في سماء سوريا، مدعياً أن أنقرة بدأت في قاعدة بمدينة غازي عنتاب، بتعليم تلك القوات على "الدفاع الجوي"، باستخدام أنظمة تركية، كنظام مضادات للطائرات عيار 35 ملم، من إنتاج شركة "أسيلسان" التركية. ويرى لابين أن استخدام المعدات التركية، يهدف إلى تقليل اعتماد الجيش السوري على المعدات الروسية ودمج العقيدة التركية بالجيش السوري.
كما ألمح مقال "علما" إلى أن الهجوم الجوي الإسرائيلي في 8 أيلول/سبتمبر الماضي، على قاعدة كانت سابقاً مدرسة للدفاع الجوي جنوب حمص، استهدف مستودعاً خُزّنت فيه أسلحة تركية الصنع، وكذلك الحال بالنسبة لهجمات أخرى بالأشهر الماضية، غير أن إشارة الكاتب الإسرائيلي يعقوب لابين إلى مسؤولية إسرائيل عن تلك الهجمات وأهدافها الحقيقية، جاءت على شكل تلميح ضمني؛ لتدارك قيود الرقابة العسكرية الإسرائيلية.
توصية بـ"استعداد إسرائيلي"
وما يُستدل من مضمون المقال، أن الكاتب يعقوب لابين يُكثر الحديث عن "نوايا" تركيا العسكرية في سوريا، لكنه خلا من أي إقرار أمني إسرائيلي بامتلاك أدلة قاطعة بشأن إدخالها أسلحة كأنظمة دفاع جوي إلى سوريا حتى الآن.
وخلص المقال إلى أنه مع تراجع النفوذ الإيراني، يبرز احتمال مواجهة مستقبلية بين محور سوري–تركي إسلامي جديد وإسرائيل، ما عدّه "خطراً طويل الأمد يتطلب استعداداً إسرائيلياً مناسباً"، مدعياً أن الدعم التركي لبناء الجيش السوري الجديد، ليس مجرد دعم لوجستي، بل خطوة استراتيجية لتأسيس "تحالف إقليمي جديد وتهديد عسكري محتمل". وطرح سؤالا مركزياً في مقاله بموقع "علما" الاستخباراتي، مفاده: "هل بدأت إسرائيل بالتحضير لهذا السيناريو؟".. فيجيب "لا يوجد تأكيد حتى الآن".
والحال أن هكذا مقالات ذات خلفية أمنية وعسكرية إسرائيلية، تكشف تعمد تل أبيب المبالغة المقصودة بشأن دور تركيا العسكري بسوريا، وتضخيم نواياها أكثر من أفعالها؛ بغية خلق عدو جديد في المنطقة؛ لمحاولة تسويغ مواصلة إسرائيل اعتداءاتها على الأراضي السورية وانتهاك سيادة أراضيها، بحجة أنها منطقة صراعات إقليمية ودولية!
