أمل للعدالة الانتقالية بعد موجة اعتقال رموز النظام السابق

خاص - المدنالاثنين 2025/10/20
وسيم الأسد.jpg
القبض على وسيم الأسد شكل الضربة الأقوى (إنترنت)
حجم الخط
مشاركة عبر

في مشهدٍ يُعيد تشكيل الذاكرة الجماعية للسوريين، تتوالى العمليات الأمنية المكثفة التي تنفّذها وزارة الداخلية السورية، لتُسفر عن سلسلة اعتقالات طالت أبرز رموز النظام المخلوع، من قادة عسكريين وأمنيين إلى تجار مخدرات ومجرمي حرب. 

هذه الموجة، التي بدأت بعد سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، لم تعد مجرد حملة أمنية، بل باتت تُقرأ كجزءٍ من مشروع وطني أوسع يهدف إلى ترسيخ العدالة الانتقالية واستعادة الثقة بين المواطن والدولة.

 

وسيم الأسد

في منتصف حزيران/يونيو الماضي، كانت الضربة الأولى الأقوى حين أُلقي القبض على وسيم الأسد، ابن عم رئيس النظام الهارب، في عملية أمنية محكمة نفّذتها إدارة المهام الخاصة بالتنسيق مع جهاز الاستخبارات العامة. 

ولم يكن الاعتقال عادياً؛ فقد كان وسيم أحد أبرز أعمدة اقتصاد الحرب في عهد النظام، متورطاً في إنتاج وتهريب الكبتاغون، وداعماً لآلة القمع عبر تمويل الميليشيات. وسبق أن وضعته الخزانة الأميركية والاتحاد الأوروبي على لائحة العقوبات، لكن اعتقاله اليوم يحمل رمزية جديدة: الدولة الجديدة تقول بصوتٍ واضح إن "المحصَنين" لم يعودوا كذلك.

وفي تعليقه على الحادثة، كتب وزير الداخلية أنس خطاب على منصة "إكس": "لن نتهاون في ملاحقة كبار رموز الانتهاكات ضد الشعب السوري، وإخضاعهم لمحاكمات عادلة تضمن تطبيق العدالة الانتقالية".

الرسالة لم تكن موجّهة فقط للمطلوبين، بل لكل سوري عاش سنوات الرعب تحت وطأة الحواجز والاعتقالات التعسفية. 

 

توالي الاعتقالات

ففي الأسابيع التالية، توالت الاعتقالات كأنها فصول متتالية من سلسلة "محاسبة الماضي": 

- اللواء موفق حيدر، قائد الفرقة الثالثة – دبابات، المعروف بـ"رأس الحربة" في اقتحام المدن، والمُلقّب بـ"سيد حاجز القطيفة" الذي عُرف بـ"حاجز الموت". 

- العقيد الطيّار ميزر صوان، الملقب بـ"عدو الغوطتين"، المدرج على قوائم العقوبات الأوروبية والبريطانية. 

- علي الدسم الزعيل، القيادي السابق في "كتائب البعث" بدير الزور، الذي كان يحرّض على الحراك الشعبي ويُنسّق مع أجهزة الأمن لقمع المتظاهرين. 

- فادي العفيس، القيادي في "لواء الباقر"، الذي انتقل من صفوف تنظيم داعش إلى أجهزة الأمن العسكري التابعة للنظام. 

- العقيد عمار محمد عمار، الرئيس السابق لقسم الأربعين في أمن الدولة، المتهم بجرائم تعذيب وقتل في دمشق وطرطوس. 

- العقيد زياد كوكش، الذي قمع المتظاهرين منذ اليوم الأول للثورة، وتحكّم بحواجز الموت في حماة. 

- بلال محرز وشقيقه سيف الدين، المعروفان بارتكاب انتهاكات جسيمة في حماة، والملقّبان بـ"السفاحَين". 

- وأخيراً، في منتصف تشرين الأول الجاري، أحمد عويض، مساعد أول في الأمن العسكري بدرعا، المسؤول عن مداهمات أدت إلى إعدامات في سجن صيدنايا، وابتزاز ناشطي الثورة.

كل إسم من هذه الأسماء لا يُذكر إلا مع دموع أسر فقدت أبناءها، أو مع ذكريات اعتقالات ليلية، أو مع صورٍ لا تُمحى من ذاكرة السوريين، لكن اليوم، تعود هذه الأسماء إلى الواجهة، ليس كأسياد، بل كمتهمين أمام العدالة.

 

ما بعد العمليات

وفي هذا الجانب، قال الباحث والأكاديمي، الدكتور عرابي عبد الحي عرابي لـ "المدن": "العمليات مهمة، لكن قيمتها تتحدد بطريقة إدارتها وما يليها".

وأضاف: "من المؤكد أن تفكيك شبكات إجرامية بقيادة أسماء نافذة يرسل إشارة ردعية ويربك سلاسل النفوذ المحلي وتمويل الجريمة، إلا أن التحسّن الأمني لا يُستدل عليه بخبر توقيف واحد، وإنما يُقاس عبر حزمة مؤشرات صلبة ومعلنة مثل مؤشر اتجاه الجرائم العنيفة، وزمن الاستجابة الأمنية، ومعدلات الإحالة للادعاء، إضافة إلى استطلاعات ثقة السكان بالشرطة وجودة التجربة الشرطية".

وتابع: "وبناء على ذلك، فإنه لتحويل الضربات الأمنية إلى مكسب مستدام، يجب ربطها بشفافية حوكمة القطاع الأمني: مثل وضوح الصلاحيات، والمهنية في العمليات، وتعزيز الرقابة القضائية الخ..".

وفي تغريدةٍ أخرى، أشار وزير الداخلية خطاب إلى أن هذه الاعتقالات تأتي في سياق "ضربة جديدة لمحاولات فلول النظام البائد زرع الفتنة بين أهلنا في الساحل".

وشرح أن هذه المحاولات بدأت بمنشورات تحريضية وترهيبية قبل شهرين، ثم تصاعدت إلى محاولات بثّ الرعب عبر السلاح، وهو ما يفسّر، وفق مراقبين، سبب التركيز على اعتقال شخصيات من مناطق ساحلية مثل نمير الأسد وقصي وجيه إبراهيم، قائد "كتيبة الجبل" سابقاً، اللذين ألقي القبض عليهما مؤخراً.

وحسب مراقبين، فإن الرسالة هنا واضحة: الدولة الجديدة لن تسمح بعودة خطاب الطائفية أو التفتيت المجتمعي، ولن تترك فراغاً أمنياً تستغله بقايا النظام لخلق فوضى تُبرر عودته.

 

هل تحسّن الوضع الأمني فعلاً؟

من الناحية العملية، تشير المؤشرات إلى تحسن ملحوظ في الوضع الأمني، خصوصاً في المدن الكبرى مثل دمشق وحمص وحماة، حيث انخفضت جرائم الخطف والابتزاز المرتبطة بأجهزة النظام السابقة.

 كما أن حملات مكافحة تجارة المخدرات، التي كانت تُدار من قلب مؤسسات الدولة في العهد السابق، بدأت تُعطي ثمارها، رغم استمرار التحديات في بعض المناطق الحدودية.

 

لكن التحدي الأكبر لا يكمن في القبض على المطلوبين، بل في بناء نظام قضائي قادر على محاكمتهم بشكل عادل وشفاف، بعيداً عن الانتقام أو التصفية السياسي، وهنا، يبرز مفهوم "العدالة الانتقالية"، الذي بدأ يظهر في خطابات المسؤولين كخيار استراتيجي، لا كشعارٍ عابر، وبالتالي فإن كثيراً من الضحايا يخشون أن تتحول المحاكمات إلى "عروض رمزية"، أو أن تُستخدم كوسيلة لتصفية حسابات سياسية. كما أن غياب هيئة وطنية مستقلة للعدالة الانتقالية حتى الآن يثير تساؤلات حول جدّية الدولة في تبني هذا المسار بشكل مؤسسي.

 

خطوة نوعية

من جهته، قال الباحث في القانون الدولي، فراس حاج يحيى لـ "المدن": "القبض على نمير الأسد وقصي وجيه إبراهيم يُمثّل خطوة نوعية في تفكيك بقايا البُنى الإجرامية للنظام السابق، ويبعث برسالة واضحة بأن الدولة الجديدة تمتلك الإرادة والقدرة على فرض القانون دون استثناءات".

وتابع: "الأهمية لا تكمن فقط في الجانب الأمني، بل في إعادة ترميم الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، خاصة في المناطق التي عانت من سطوة الميليشيات والعائلات المرتبطة بالنظام البائد".

وزاد بالقول: "هذه العملية تحمل أيضاً بعداً عدالياً انتقالياً، لأنها تُعيد الاعتبار لمفهوم المحاسبة والمساءلة، وتؤكد أن لا أحد فوق القانون، مهما كان انتماؤه أو نسبه".

وأشار إلى أنه: "من الناحية الأمنية، هي مؤشر على انتقال الدولة من مرحلة رد الفعل إلى مرحلة الفعل الاستباقي، وهو ما انعكس فعلاً على استقرار الساحل وعودة الحياة المدنية التدريجية إليه".

ووسط كل ذلك، فإن ما يجري اليوم في سوريا ليس مجرد حملة أمنية، بل هو لحظة تاريخية نادرة. 

وبعد أكثر من عقدٍ من الحرب والدمار، يقف السوريون أمام فرصة حقيقية لإغلاق صفحة الماضي، ليس بالثأر، بل بالمساءلة والشفاء.

 

Loading...

تابعنا عبر مواقع التواصل الإجتماعي

إشترك في النشرة الإخبارية ليصلك كل جديد

اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث